« سورية الأسد » ترضي كل الغزاة والغرباء – منار الرشواني
بعد آلاف البراميل المتفجرة والصواريخ، كما التجويع ولربما الأسلحة الكيماوية، « انتصرت » مليشيات بشار الأسد في داريا قرب دمشق. لكن الأهم من كل الجرائم التي تعرضت لها المدينة على امتداد سنوات خلت، هو ماهية « الانتصار » الحالي. إذ تمثل في تهجير سكان داريا جماعياً -في إطار استكمال المشروع الإيراني الطائفي- على يد نظام يوصف، من قبل شبيحته، بـ »السوري »، فقط لتبرير جرائم طهران وموسكو هناك، وقد باتتا الآمر الناهي في دمشق. ومثل ذاك النظام، المليشيات التي تحميه، واستُجلبت على أساس طائفي من كل بقاع الأرض، لكن أسبغ عليها « عروبيون »، وبلا خجل، مسمى « الجيش العربي السوري »، في إهانة لتاريخ هذا الجيش.
في المقابل، وقبل ذلك بأيام فقط، كان تحذير أميركي واحد لنظام الأسد من مهاجمة الأكراد الحلفاء، كافياً لإسراع الروس -الذين يُفترض أنهم القادرون على محو الوجود الأميركي في منطقة الشرق الأوسط، كما يردد الشبيحة المحليون والعابرون للحدود- إلى وضع توقيع النظام « السوري » على اتفاق مذل يقضي بتسليم مدينة الحسكة إلى القوات الكردية.
إذن، روسيا « العظمى » غير قادرة على مواجهة أميركا! وإلا فلا يعود من تفسير ممكن إلا أن موسكو ترى في الأكراد حلفاء أيضاً، فلا مانع من تقسيم سورية بينهم وبين نظام الأسد، طالما أن المصب سيظل في المصالح الروسية.
لكن، لماذا رضيت روسيا، عقب ذلك بساعات فقط، بالتدخل التركي في الأراضي السورية، والذي لم تخف أنقرة أن هدفه ليس معقل تنظيم « داعش » في جرابلس فحسب، بل أيضاً القوات الكردية، وإجبارها على العودة إلى شرق نهر الفرات، على الأقل؟! علماً أن موسكو كانت قد افتتحت ممثلية لهؤلاء الأكراد لديها في شباط (فبراير) الماضي (وتم نفي خبر إغلاقها هذا الشهر). كما أن موسكو لطالما بقيت تطعن في شرعية فريق المعارضة السورية المفاوض في جنيف بدعوى غياب تمثيل حزب الاتحاد الديمقراطي فيه. إذ اكتفى بيان لوزارة الخارجية الروسية بالتعبير عن « قلق » روسيا من العملية العسكرية التركية، لاسيما -وفي قمة المفارقة المثيرة للسخرية- القلق من « احتمال سقوط ضحايا من السكان المدنيين »! كما « تفاقم الخلافات بين الأكراد والعرب ». وحتى نظام الأسد بدا أقرب إلى التعامل البروتوكولي في موقفه من « السيادة السورية » التي اعتاد أن يقدمها، تمليكاً أو تأجيراً، لمن يدفع الثمن المطلوب. فاكتفى هذا النظام ببيان صحفي حمل تصريحا لـ »مصدر » في وزارة الخارجية! تضمن إدانة العملية. وهو ما ينسجم أيضاً مع مغازلة النظام للأتراك قبل أيام، أو مطالبتهم بالتدخل في الحسكة لنجدته من الأكراد الذين أمدهم بالسلاح، ثم صاروا بين ليلة وضحاها حزب العمال الكردستاني (التركي)، لكنه سلمهم الحسكة في النهاية!
وحتى اللحظة أيضاً، يبدو أن الأميركيين سيعيدون الأكراد إلى شرق الفرات إرضاء لتركيا. لكن واشنطن لن تتخلى عنهم في الأماكن الأخرى.
الآن، يصير واضحاً، وطبيعياً، أنه باستثناء السوريين، فإن الكل راض وسعيد في « سورية الأسد »، لأنها « سورية الأسد » وليس « سورية الدولة والوطن ». ولذلك أيضاً، فإنه حتى « الشبيحة الديمقراطيون » الذين يبررون قتل السوريين باسم العروبة والديمقراطية، راضون وسعيدون بدورهم، فالأسد ما يزال يحمل مسمى « رئيس »، أما مصير سورية فتفاصيل هامشية بالنسبة لهم!
FacebookTwitterطباعةZoom INZoom OUT