سوريتكم تهمس في أُذُنِكُم
أولادي
آه يا أولادي…تؤلمني حمص…توجعني
إدلب…دبابات جيشي الجاثمة في صدري
تتعبني…جيشي الذي يرتدي ألوان أشجاري
وأرضي المموّهة وأحييه في بداية نشيدي
ترك حدودي ومهمّة حمايتي ليرسم وشوم
العناء على جسدي ويؤلمني
مازلت أمزّق جسدي كل يوم أكثر من عشرة
مرات لاستقبل نعوشاً جديدة
لأولادي..وأنثر كل الحكايات التي لم
يعيشوها بعد في بحر الصبر…أتجرّع
حسرتي مع كل آه تشق حنجرة أم
الشهيد….فأنا مثلها…خسرت ابناً….لن
يكتب اسمي على أوراقه بعد اليوم…لن
يرسم علمي على دفاتر التلوين وشهادات
التخرج…لن يسرق قبلة من حبيبته في إحدى
جنائني…لن أختار له مايلبس عند أول
مقابلة عمل…ولن يعود إلي حضني باكياً
بعد كل خيبة…..سأزفّه للكفن.. بدلاً من
عروس جميلة تتلقاه بابتسامة…سأزفه
للتراب مزغردةً لوجه عريسي المصفّر
وجثتّه الهامدة
هادي الجندي…ابني الحمصّي
الوسيم..عرفته قبل 22 عاما عندما أنجبته
أمه بعد ست بنات….وعاد إلى ترابي يوم
الجمعة في 8-7-2011، على حسابه على « الفييس
بوك » كتب موقفه السياسي « لا دخلني ولا
خرجني »…لم تمض أسابيع قليلة على سقوط
الشهداء في حمص حتى أصبح لهادي « دخل
وخرج »…وكتب: « هففففف ولوووو شو مشان نص
يللي بنعرفن يا اما عم يفتح نت بالجنة
يا اما من عند بيت خالتو، هدوليك عم
تنغفرلن زنووب ونحنا متل الصيصاااان
اكتبلنا الشهادة يا رب…بس بلا قتل وضرب
كتير »
المئات من الأصدقاء والمعجبات بوسامته
وأناقته وابتسامته البرّاقة يعرفونه
و يعرفه كل من مرّ في الدبلان والغوطة
كتب أحد أصدقائه « عندما كان هادي يقود
مظاهرة طيارة في الدبلان أو الغوطة
عاري الوجه ودون أي شعور بالخوف ويهتف
بأعلى صوت كنا نشعر أن المظاهرة في
باريس أو فينا، في عينيه كانت تشع الثقة
والشجاعة فندخل في حالة من النكران
التام للخوف من الاعتقال أو القتل رغم
أننا في أكثر الأماكن قربا من فرع أمن
الدولة »
وكتب آخر « طلعلنا هادي عينّا وهو يهتف
ويعيد (إسلام ومسيحية..وسُنّة وشيعة
وعلوية…كلنا بدنا الحرية..سورية
للسوريين…إسلام ومسيحيين)
أما آخر ماكتبه ابني هادي قبل أن يتوسّد
نعشه فيّ « إنو من إيمتا كان الي من
الخالدية يمشي مع ابن الغوطة سوا، من
ايمتا جماعة باباعمرو والانشاءات
واحد، من ايمتا صار في اكتر من صفين
بالجوامع، من ايمتا بدال ما نتوب كل
شهرين صرنا كل خميس نتوب لانو تاني نهار
اكيد رح..:D قلوب الناس بدأت تتغير….نحنا
انتصرنا غصب عن كل من في بمخو عقل دودة
وبيفكر غير هيك
………
ابني الشهيد المقدم مازن عمر عبد
اللطيف، « طلعت عيونه » وعيون أهله حتى
أنهى البكالوريا بمجموع عال يكفي ليصبح
مهندساً مدنياً، أكمل دراسته وتوظف في
مؤسسة الإسكان العسكرية بمنصب هام
وأصبح المسؤول عن مشروع وردة مسار… لا
يعرف أهله ما الذي أخذ به إلى حي القدم
في تلك الجمعة…وما علاقة المهندس
المسؤول عن مشروع بوسط دمشق بقوات « حفظ
النظام » في حي القدم وفي يوم العطلة
ثلاث طعنات سرقته من عائلته وتركت أمه
ثكلى وزوجته أرملة….كل الأحلام التي لم
يحققها والكلمات التي لم يقلها…كل
الوجوه التي لم يقابها ولم
يودعها…ذهبت في خمس دقائق….شيّعته
يبرود هاتفة لروحه
………
ابني حمزة، 7 سنوات، كان يقف على الرصيف
في أحد حارات دوما منتظراً أخاه الذي
وعده بإحضار لعبة « اليويو » من الدكّان
القريب، تصدمه سيارة بلا نمرة ..يطير
جسده الصغير ويرتطم رأسه بالأرض..يلاحق
أحدهم السيارة المستعجلة..يغضب من
فيها..ينزل رجلين بلباس مدني مع جاكيت
عسكرية يوجهان الكلاشنكوف إلى رأسه
ويهددانه قبل أن يرحلوا وكأن شيئا لم
يكن
يدخل حمزة في غيبوبة لأربعة أيام ثم
يعود إلى ترابي
……………….
ابني خلدون حبيشة 50 سنة من برزة من
دمشق، ابنته، 15 سنة، فقدت والدها قبل
يومين من نهاية امتحانها للشهادة
الإعدادية. عند الساعة الرابعة من
ظهيرة يوم جمعة 30-6-2011 صعد الأخوة
الأربعة وأبنائهم من آل حبيشه إلى سطح
منزلهم الطابقي بعد هربهم من رصاصات
الجنود، حاصر رجال الأمن المنزل، وما
أن أطل خلدون برأسه حتى تلقتّه رصاصة
قال أخوته أنهم لم يسمعوا صوت الرصاصة
لكنهم رؤوا دماغة يتشظى أمامهم، أولادي
من رجال الأمن اقتحموا البناء واعتقلوا
أخوة الشهيد. الأخ الأكبر أصيب بجروح
شديدة بعد أن أوسعوه ضربا لأنه قال لهم
انه يريد إسعاف أخيه فأدخلوه مؤخرة
السيارة أمام أعين الكاميرا المخفية في
إحدى نوافذ الحي والأخ الثاني كسرت
ذراعه وهم يحاولون حشره في السيارة مع
أخيه فتركوه وأخذوا الاخ الأخر
………
يا أولادي كفّوا عن قتل أولادي……كفّوا
عن قتل أخوتكم….كفّوا عن ملئ أقبيتي
بأهلكم…سجوني للمجرمين والقتلة
واللصوص..ليست لمن يقول مالا يرضيكم
أنا لكم جميعاً…لم يطوبّني أحد
باسمه…لن يسمح لكم أبنائي الحقيقيين
بأن تتقاسموا جسدي…لن تقسموني بأخدود
« خلافكم » لجزيرتين تعيشون في كل منهما
مع من تريدون على هواكم
متوسطّي وفراتي وعاصيّ وشاطئ طبريّا لي
ولكم جميعاً كما كانوا مستقرّاً
لأجدادكم وأجدادهم…آثار حضارات
أبنائي التي بناها أهلكم حجراً حجراً
لأولادكم وأولادهم
يا أولادي..يا من أصابت رشاشاتكم كنسية
البارة التي صمدت منذ القرن السادس
الميلادي بوجه الغزاة والحقب …ماذا
تفعلون؟
لم دباباتكم في قلبي بحمص؟ وفي إدلب حيث
400 موقع أثري تحمل شهادات عن العصور
الحثية والآرامية والآشورية
واليونانية والرومانية و
البيزنطية…ما الذي تفعلونه يا
أولادي؟….تاريخي؟ وحاضري؟
إلى أين تأخذوني؟! من أين أتيتم بكل هذا
الحقد؟ من زرع في قلوبكم الطيبيّة
المجبولة بخبز التنور والزعتر
والزيتون والقمح كل هذا اللؤم؟
عودوا إلى إنسانيتكم يا أولادي…عودوا
إلي…ولأخوتكم…سنبقى معاً كلنا
وجميعاً وسويةً
سوريتكم