شرط العودة إلى الشعب – منار الرشواني
ثمة جديد فعلاً، خلافاً للمتوقع، في مقابلة بشار الأسد التي بثت، أول من أمس، على قناة « المنار » التابعة لحزب الله. وهذا الجديد على مأساة تأخره، ليس إلا العودة إلى الاعتراف بالشعب السوري الذي يقول الأسد إن موافقته، عبر استفتاء، على ما يتم الاتفاق عليه في مؤتمر « جنيف2 » هو « الشرط الوحيد الحقيقي » للمشاركة في المؤتمر.
ومثل هذا الاعتراف جدير بالتوقف عنده، بداية، من قبل أنصار نظام الأسد ذاته، من قوميين ويساريين عرب خصوصاً، لاسيما وأن هؤلاء قد اختزلوا سورية كلها، ومنذ اليوم الأول للثورة، في هذا النظام ورئيسه؛ فكان دورهم حتماً لا يتعدى حدود تخوين السوريين المطالبين بالحرية، وبالتالي تبرير قتلهم جماعياً، وتدمير وطنهم حاضراً ومستقبلاً وتاريخاً وحضارة! في مزايدة على نظام الأسد ذاته، وأشد داعميه على الأرض، لاسيما حزب الله. فرغم تورط هذا الحزب عسكرياً في سورية ضد الثوار، إلا أن مسؤول العلاقات العربية فيه، حسن عزالدين، لم يملك إلا أن يؤكد أكثر من مرة في تصريحاته لـ »الغد »، والمنشورة أول من أمس فقط، على تحقيق « مجموعة الإصلاحات التي يطالب بها الشعب السوري »، و »المطالب المشروعة لهذا الشعب »؛ حتى ولو كان هذا التأكيد زائفاً لتجميل صورة حزب الله إعلامياً.
وإذا كان مخونو الشعوب، قوميين ويساريين، لم ولن يغيروا بموقفهم هذا شيئاً، كما تشهد على ذلك أكثر من سنتين على بدء الثورة/ الأزمة السورية، فإن الاعتراف بالشعب السوري هو ما يجب أن يكون شرط ما يسمى المعارضة/ المعارضات السورية في الخارج أيضاً، للمشاركة في مؤتمر « جنيف2 ».
فهذه المعارضة التي تنفق أسابيع من الخلافات على توسيع ائتلافها، وتفشل في اختيار قيادة له، تعرف تماماً أن روسيا لن تقبل مسبقاً، وشرطاً للمشاركة في « جنيف2″، تقديم ضمانات برحيل الأسد مع نهاية المفاوضات. وبالتالي، يبدو التمسك بهذا الشرط مثالياً إذا ما كانت هذه المعارضة تبحث عن ذريعة لعدم المشاركة في المؤتمر الدولي، لكن بشرط أن لا تقلب هذه الذريعة لاحقاً إلى حجة بيد النظام وحلفائه ضد المعارضة، بل وحجة بيد من يسمون حلفاء لهذه الأخيرة، والذين خذلوا الشعب السوري دوماً، قبل الثورة وأثناءها.
وإذا كان شرط رحيل الأسد، أو هكذا يفترض أن يكون، هو لأجل الشعب السوري الذي عانى عقوداً من الاستبداد والفساد، ثم قتل عشرات الآلاف منه، وتشريد ملايين آخرين، على رؤوس الأشهاد؛ فإن من الممكن لأجل هذا الشعب فقط أن تكون الطريق إلى « جنيف2 » مشروطة بالشروع بإطلاق مئات آلاف المعتقلين في سجون النظام، والسماح بوصول المساعدات إلى المناطق المنكوبة، ووقف قصف المدافع والطائرات الأعمى للمدن والأحياء السورية.
ومثل هذا الشرط لا يحمي فقط شرعية المعارضة، المتهالكة أصلاً، بعد التنازل عن رحيل الأسد شرطاً مسبقاً للمشاركة في « جنيف2″، بل ويمثل امتحاناً لكل الزاعمين رغبتهم في عقد مؤتمر جنيف وإنجاحه من حلفاء النظام. فهل ستدعي روسيا عدم منطقية الإفراج عن مئات آلاف المعتقلين بلا محاكمة، أو « تعجيزية » تقديم مساعدات للنازحين السوريين، ووقف تدمير سورية بسلاحها؟!
باختصار شديد، فإن شرط نجاح « جنيف2 » هو توقف الجميع، وعلى طرفي المأساة، عن الحديث باسم الشعب السوري، وبدلاً من ذلك الحديث والعمل لأجل هذا الشعب، الذي به يدعي النظام والمعارضة شرعية ما.