عقدة « أوديب » وعقدة القاعدة – منار الرشواني
ما كان أوديب ليحقق نبوءة قتل والده والزواج بأمه، لولا أن والده صدق العرّاف، فسعى إلى منع تحقق تلك النبوءة بإلقاء ابنه في العراء متيقناً من موته، ومعه الكارثة المشؤومة المقبلة. لكن بسبب ذلك فقط، فإن الابن الذي نجا وأصبح رجلاً، لم يعد يعرف والديه الحقيقيين. وبذلك أيضاً فقط، كان ممكناً لأوديب أن يعود ليقتل أباه الذي لم يعرفه، ثم ليتزوج أمه التي لم يعلم حقيقتها، منجباً منها أربعة أولاد!
اليوم، يكاد يكون دقيقاً تماماً المماثلة بين مسار مأساة « أوديب »، بمسار مأساة حضور تنظيم « القاعدة »، لاسيما في الثورة السورية، إنما دون الاقتصار عليها حتماً. بعبارة أخرى، فإن الخائفين والمخوّفين من سيطرة « القاعدة »، والمتخذين من ذلك ذريعة لتبرير استمرار نظام بشار الأسد في ارتكاب جرائمه بحق السوريين، هؤلاء هم من يكادون يكونون أهم المسؤولين اليوم عن تحقيق « كذبتهم-نبوءتهم » فعلاً؛ في سورية ما بعد الأسد وكل دول الجوار.
فكما هو معروف، بعيداً عن المكابرة والعناد، فإن دخول « القاعدة » إلى سورية وظهور مقاتليها علناً لم يكن ممكناً لولا سعي نظام الأسد إلى عسكرة الثورة أملاً في وأدها سريعاً. وأشد أعداء التنظيم المنصفين كانوا يقدرون عدد مقاتليه في سورية، حتى بعد أشهر من عسكرة الثورة، ببضع مئات لا أكثر.
غير أن نظام الأسد وأنصاره، ومعهما أعداء الإسلاميين لأنهم إسلاميون فحسب! قرروا أن الثورة السورية ليست إلا مؤامرة أميركية-سلفية، وأن لا تعاطي معها إلا بالموت والدمار، وليتم القضاء بالتالي تدريجياً على أي أمل في حل سياسي.
ومع اقتصار خيارات الثوار على اثنين فقط: الموت قتالاً، أو الموت في أقبية سجون نظام الأسد ونتيجة التعذيب؛ ومع تخلي المجتمع الدولي ككل عن دعم الثوار السوريين المطالبين بالحرية والكرامة، بات ممكناً تفسير صعود « القاعدة » في سورية عبر « جبهة النصرة » خصوصاً، نتيجة لكفاءتها العسكرية ومواردها المالية غير المتاحة « للمعتدلين » أبداً. وإذا كان لا أحد يعرف على وجه الدقة حجم « القاعدة » في سورية الآن، فإن ملاحظتين قد تكونان كافيتين هنا: الأولى، شعبية « جبهة النصرة » بين غالبية إن لم يكن جميع فصائل الثورة السورية. والثانية، بروز اسم الجبهة في كل معارك الثوار « النوعية » ضد نظام الأسد.
ومع كل زيادة في وحشية النظام، واستمرار للصراع في سورية، إنما يواصل هذا النظام وأنصاره تحقيق « النبوءة » التي بدأت كذبة وخرافة، بتسليم سورية وكل المنطقة للجماعات الإسلامية المتشددة؛ والتي ستولّد بدورها حتماً جماعات مناوئة لها تحمل ذات التطرف بالتأكيد، وإن بهوية أيديولوجية أو طائفية أو دينية مختلفة.
لكن على مبتدعي الكذبة « النبوءة » أن لا يفرحوا ويفخروا بادعاء الحكمة بأثر رجعي. فإذا كان الأسد بشخصه تحديداً، ومعه الدائرة الضيقة من المعتاشين على وجوده، قد يفيدهم تصاعد نفوذ « القاعدة » في سورية لإطالة أمد معركته اليائسة لمواصلة الإمساك بالسلطة، فإن أكبر الخاسرين من هذا النفوذ المتزايد للتنظيم إنما هم حلفاء الأسد قبل أي فريق آخر، وهم حزب الله أساساً، فإيران وروسيا، ولو من باب أن الأعداء الأقربين أولى بالانتقام.
بين الموت والموت، لم يعد لدى الثوار السوريين ما يخسرونه بوجود الأسد. لكن لدى حلفاء هذا الأخير الكثير مما سيخسرونه بمواصلة دعمه، والكثير مما قد يدركونه بإطلاق رصاصة الرحمة عليه.
http://www.alghad.com/index.php/crew/152751.html