على حد « السيف السوري – محمد أبو رمان
ثمة ظلال ثقيلة ألقت بها الثورة السورية على النخب السياسية الأردنية. وربما لا نبالغ إن قلنا إنّ الموقف مما يحدث هناك أصبح بمثابة العامل الأكثر أهمية في إعادة تشكيل التحالفات وهيكلة القوى، وحتى الحراك السياسي الجديد.التداعيات الأولية طفت على السطح مؤخّراً، من خلال الهتافات التي أطلقها أبناء أحزاب يسارية وقومية ضد الإخوان المسلمين أمام السفارة الأميركية، وفي مطالبة شباب في الجماعة القيادة بفك التحالف مع القوميين واليساريين على خلفية الأحداث من سورية، بما في ذلك الانسحاب من لجنة أحزاب المعارضة، التي تضم الإخوان مع اليساريين والقوميين والشيوعيين
التداعيات العميقة التي لم تطفُ على السطح، وتتجاوز الأردن إلى أغلب الدول العربية، تتمثّل في قلق القوى اليسارية والقومية والعلمانية من الحضور الإسلامي المكثّف والفاعل في الثورات الديمقراطية، وتمكّن « المشايخ » –إلى الآن- من إثبات أنّهم التيار الأكثر شعبية، في مقابل الحصاد المرّ والهزيل للقوميين واليساريين، وحتى لأحزاب عريقة، مثل الوفد في مصر، في الانتخابات النيابية.تلك المتغيرات الجوهرية مسّت عصب العلاقة بين الإسلاميين وتلك القوى؛ ومن يتابع خطاب بعض القوميين واليساريين الأردنيين والعرب يلحظ بجلاء أنّهم سحبوا موقفهم من الثورة السورية إلى الثورات الديمقراطية العربية بأسرها، بأثر رجعي، وأخذوا يفسّرونها من زاوية « المؤامرة » التي تجمع الأميركيين والأتراك والخليج-قطر (الجزيرة)، والقوى الإسلامية-الإخوان المسلمين
لسنا، إذن، أمام حدث عابر أو انقسام حول موقف من مسألة خارجية، على قاعدة « الاختلاف في وجهات النظر لا يفسد للود قضية »، أو كما يقول مؤسس الإخوان « نعمل فيما اتفقنا عليه، ويعذر بعضنا بعضاً فيما اختلفنا عليه »، بل نحن أمام تحولات مفصلية وخط فاصل بين مرحلتين
الجبهة الوطنية للإصلاح، بقيادة أحمد عبيدات، هي العنوان الرئيس اليوم، مع هزالة تحالف المعارضة الذي تنضوي تحته أحزاب وقوى المعارضة المختلفة، قوميون ويساريون وإسلاميون. ويبدو أنّ الشرخ بين هذه القوى يتسع ويتجذّر، ما يعني أنّ عبيدات، بوصفه فوق هذه الاستقطابات الأيديولوجية، معني إذا أراد الحفاظ على وحدة الجبهة وتماسكها، أن يقدّم تصوّراً توافقياً وعميقاً للموقف من الثورة السورية
خلال الأسابيع الأخيرة فقط « مياه كثيرة جرت تحت الأقدام »، ولم يعد ممكناً تجاهل تأثير الثورة السورية على المعارضة والحراك السياسي الداخلي، وعلى الجبهة الوطنية؛ فإمّا أن تؤدي التطورات الأخيرة إلى إعلان الطلاق التام بين هذه القوى، وتفسّخ الجبهة تحت وطأة هذه الاختلافات، وإمّا أن ينجح عبيدات في إعادة تصميم جبهته على أسس متينة وصلبة، ما يمنحها قوة أكبر.ليس مبالغة القول إنّ الثقة تكاد تكون ضحلة وهشّة بين القوى اليسارية والقومية من جهة والإسلاميين من جهة أخرى، وقد استعاد الطرفان ميراث الاتهامات السياسية والتشكيك بالآخر، الذي طغى على « الصورة النمطية المتبادلة » خلال مرحلة المواجهة الأيديولوجية في عقود سابقة. مهمة عبيدات لا تبدو سهلة على الإطلاق! فالرياح العاصفة التي هبت من سورية ومن صندوق الاقتراع، تتجاوز الأردن إلى أغلب
الدول العربية، والاختلاف يبدو كبيراً بين مصالح هذه القوى ورهاناتها، ما يرجّح كفّة سيناريو الطلاق
الغد – ٧/١٢/٢٠١١