عمر الأسعد – في قلب آلة الموت السورية عملية سيزار
عملية سيزار
في قلب آلة الموت السورية
استضافت جمعية سوريا حرية الكاتبة والصحفية الفرنسية غرانس لوكاسيان، ضمن سلسلة اللقاءات الدورية التي تنظمها في الأحد الأخير من كل شهر والتي يديرها الكاتب والناشر السوري فاروق مردم بيك، وكان الكتاب الأخير الذي أصدرته لوكاسيان بعنوان « عملية سيزار في قلب آلة الموت السورية » هو محور اللقاء
قدمت غرانس لوكاسيان في البداية شخصية « سيزار » معرفةً عنه أنه مصور في جهاز الشرطة العسكرية التابع لنظام بشار الأسد، وكان قبل انطلاق الثورة يعمل أيضاً كمصور يتبع للقضاء العسكري، إذ كان يصور جثثاً لضحايا حوادث السير أو جرائم القتل وغيرها، لكن انقلاب خط حياته المهنية هذا حصل مع انطلاق الثورة السورية، فانتقل « سيزار » لالتقاط صور لجثث معتقلين قتلوا تحت التعذيب، إضافة إلى عمله على توثيق صور جثث قتلى نظام الأسد من العسكريين، وخلال هذه الفترة اكتشف أن الجثث التي يطلب منه تصويرها كانت عليها علامات تعذيب ظاهرة أو آثار أعيرة نارية، كما أن هناك كثير من الأجساد كان واضحاً عليها علامات فقدان وزن وهزال حاد
وتروي لوكاسيان أن « سيزار » نقل مشاهداته إلى أحد أصدقائه المقربين، كما أنه كشف له نيته الانشقاق، إلا أن صديقه هذا وهو أحد الشبان الناشطين في الثورة السورية طلب منه البقاء في عمله على أن يحتفظ بنسخة عن صور الجثث التي يوثقها، حتى تكون فيما بعد دليلاً دامغاً ضد نظام الأسد
وتضيف أن عمل « سيزار » بمعظمه تركز في مشفى تشرين وفي مشفى المزة العسكري المعروف باسم 601
أما من حيث الآلية التي يتبعها النظام لتوثيق الجثث، فتشير لوكاسيان إلى أن الأسماء غير موجودة أو مكتوبة إنما تستبدل أسماء الضحايا بالأرقام فقط، وهي عبارة عن رقم مكتوب بخط كبير على الجبهة وتحته مباشرة رقم أصغر منه، إذ يشير الرقم الأعلى بحسب التخمينات إلى رقم السجين، فيما يشير الرقم الأسفل إلى الجهة الأمنية التي كان معتقلاً لديها كالفرع 215 وهو أحد الفروع التابعة للأمن العسكري، وخلال الفترة الأولى من الثورة كان يعطى لكل جثة رقم يدون في السجل، لكن ومع ازدياد عمليات القتل وكثرة المعتقلين الذين قضوا تحت التعذيب أصبحت آلية التوثيق مختلفة، إذ اعتمدت عملية إعطاء كل خمسة جثث موثقة رقم واحد، ومن ثم أصبح رقم واحد لكل عشرة، وبعدها وصل العدد إلى رقم واحد لكل عشرين جثة موثقة
كذلك تحدثت لوكاسيان عن بعض التفاصيل التي قدمها لها « سيزار » في شهادته المدونة في الكتاب، إذ أشار في حديثه إليها عن الحالة الطائفية السائدة في الفروع الأمنية، سواء اتجاه المعتقلين أو حتى بين الموظفين والعاملين في القطاع الأمني داخل سوريا، إذ أن التمييز الذي يعتمد على المنبت الطائفي هو أداة بيد السلطة، كما أنه حالة ظاهرة في مثل هذه الوظائف، كذلك ينتشر الخوف والقلق والتشكك ما بين العناصر العاملين في الفروع الأمنية خشية بعضهم البعض
أما عن كيفية تهريب الصور خارج سوريا، أشارت لوكاسيان إلى أنه ومن خلال العلاقة بين « سيزار » وأحد أصدقائه من الناشطين، استطاع هذا الأخير أن يؤمن تواصله مع إحدى الكتائب العسكرية المعارضة التابعة للجيش الحر والتي أمنت بدورها خروجه من سوريا، بعد أن أخفى الصور داخل « usb » مجتازاً الحدود إلى إحدى دول الجوار السوري ومنها ليتقدم بطلب اللجوء في واحدة من دول الشمال الأوروبي
وأشارت إلى أن عملها على قضية « سيزار » بدأ منذ كانون الثاني / يناير 2014 ، وخلال هذه الفترة كانت بعض الجهات الإسلامية المعارضة تتبنى الملف، وكانت هذه الجهات قد أنتجت فيلماً مصوراً عن القضية، بعد هذا ظهرت الصور في عدد من وسائل الإعلام العالمية، ومن ثم في ربيع العام 2014 تبنت منظمة « امنيستي » الملف من الناحية الحقوقية، وفي نفس المدة الزمنية حاولت فرنسا استصدار قرار من مجلس الأمن يدين جرائم النظام السوري، وذلك في نيسان/ أبريل 2014 ، بناء على ملف الصور الذي سربه « سيزار » إلا أن القرار واجهه الفيتو الروسي الصيني يومها. وفي صيف 2014 وصل « سيزار » إلى العاصمة الأميركية واشنطن والتقى هناك عدداً من السياسيين وأعضاء في الكونغرس وقدم شهادته أمامهم، كجزء من الجهد السياسي والحقوقي لإدانة جرائم النظام السوري بحق المعتقلين في سجونه
إلى ذلك قدمت غرانس لوكاسيان بعضاً من التفاصيل والحقائق التي يكشف عنها الكتاب، من خلال توثيقها لشهادات معتقلين سوريين في أفرع النظام الأمنية استطاعت أن تلتقي بهم من خلال زياراتها للدول التي باتوا يقيمون فيها وإجرائها عدة مقابلات معهم، تكشف من خلالها فظائع التعذيب وأساليبه المتبعة في أقبية الأمن السوري، كما تكشف من خلالها حجم العنف الذي تعرض له المعتقلون السوريون وتربط هذا بالشهادة والصور التي قدمها « سيزار » مصور الشرطة العسكرية المنشق
كما أنها شرحت الظروف التي يمر بها المعتقلون داخل السجون، ونوهت إلى عمليات الابتزاز التي يتعرضون لها وهم داخل السجن من قبل عناصر الأمن، وكذلك ما يمكن أن تتعرض له عائلاتهم في الخارج من عمليات ابتزاز مادي أو حتى نصب واحتيال كطلب مبالغ مالية للإفراج عن أبنائهم وهي ممارسة شائعة في الفترة الأخيرة
وتخلل اللقاء قراءة لعدد من الشهادات التي قدمها بعض المعتقلين إلى لوكاسيان التي توردها في كتابها، ويرد فيها بعض ما تعرضوا له شخصياً أثناء فترات اعتقالهم من ممارسات وحشية ومعاملة لا إنسانية داخل فروع الأمن السوري، كما فيها تفاصيل هامة عن أجواء الاعتقال عامة وكيفية التعامل مع المعتقلين وآليات التعذيب والتحقيق المتبعة من قبل النظام السوري، وحتى عمليات نقل السجناء بين الفروع الأمنية وإجبارهم على الاعتراف بأعمال لم يقترفوها