عن السلم الأهلي في الساحل السوري – راتب شعبو
عن السلم الأهلي في الساحل السوري – راتب شعبو
خلو منطقة الساحل من الاحتكاكات العنيفة بين أهل الساحل والوافدين، أو بين أهل الساحل من منابت مذهبية مختلفة، هذا مما يلفت الانتباه
ويلفت الانتباه أن الساحل بقي إلى اليوم وإلى حد كبير، بعيداً عن أن يكون ساحة حرب، ما خلا ثلاثة اختراقات محدودة قامت بها القوى الإسلامية لحدود الساحل وسرعان ما تراجعت، مع الحفاظ على تواجد ثابت لها في منطقة سلمى ومحيطها
يتعامل النظام مع هذه المنطقة بالقصف عن بعد بالمدفعية أو بالطيران منذ أكثر من سنتين، ما يرجح قول البعض إن النظام يريد لهذا التواجد أن يستمر كنوع من الخطر الدائم على الأهالي، وقد سبق لأهل القرى « الموالية » أن داهمهم هذا الخطر، حين دخلت عليهم جماعات جبهة النصرة في فجر 4 آب 2013 وقتلت بوحشية دون تمييز وأسرت دون تمييز، ولا يزال قسم من الأسرى لديها إلى اليوم بعد أن تم قتل بعضهم والإفراج عن البعض الآخر
قريب إلى العقل أن لا يريد النظام استعادة منطقة سلمى لكي يحافظ على هذا الخطر الوشيك الذي يدفع أهل الساحل للتمسك به
ثلاثة اختراقات محدودة بالمكان والزمان (الحفة في حزيان 2012، ريف اللاذقية الشمالي في آب 2013، كسب في آذار 2014) لم تدمر التعايش، لا شك إنها أثرت سلباً على ما في النفوس، وظهر ذلك في ممارسات « طائفية » عديدة، مثل مقاطعة العلويين لأسواق السنة، وبعض الانتقالات السكنية ذات الطابع الطائفي، وسلوكات تشبيحية في مناطق تواجد السنة لإثارة الرعب، الخ، لكن المحصلة أن العنف الأهلي لم يجد طريقه إلى الساحل الذي ظل يعيش الكارثة السورية بطريقة خاصة: « استقبال جثامين الجنود والمقاتلين المحمولين من شتى البقاع السورية، وانخفاض مستوى المعيشة للقطاع الأوسع منهم، وتراجع القانون أكثر من أي وقت سابق مع تزايد سطوة المال والتشبيح »
من ناحية ثانية، لم يشهد الساحل ما شهدته مناطق سورية أخرى من تفجيرات، كان هذا مما يثير الرعب حقيقة، فالتفجيرات يصعب منعها ولا تحتاج إلى إمكانات كبيرة، فهي لا تحتاج سوى إلى عقل مجرم، وغالباً ما يدفع ضريبتها المدنيون
في الأيام الأولى من الثورة حدث تفجير في أحد الأحياء الراقية في اللاذقية (حي الأوقاف) أسفر عن إصابة شاب واحد بجروح، كان هذا تفجيراً بسيطاً من أعمال « هواة » قياساً على ما شهدته سوريا لاحقاً، ولكن كان يُخشى أن يكون ذلك بداية تفجيرات أوسع وأكبر، غير أن شيئاً من هذا لم يحدث، سوى هذا لم تعاني مدن الساحل إلا من قذائف هاون متفرقة عشوائية الطابع راح ضحيتها مدنيون
يتحدث محللون كثر عن خطوط حمراء، وعن تفاهمات، إلخ، لا شك أن وراء جنون العنف الذي يدمر سوريا وأهلها يكمن منطق مجرم يتشكل من تكامل عقول الدول الداعمة لطرفي الصراع، وراء ما يبدو من جنون ثمة عقل مجرم، ولكنه عقل على أي حال، لذلك لا يستبعد أن يكون هناك تفاهمات وخطوط حمر، غير أن هناك عامل آخر على نفس القدر من الأهمية اسمه « الإحباط »
يشعر السوريون عموماً بالإحباط، أكانوا موالين أم معارضين، الموالي الذي لم يتصور أن يقف النظام عاجزاً أمام التشكيلات العسكرية المعارضة، وأن يخسر مدناً ومناطق شاسعة، وأن يعاني هذا النزيف الكبير في قواته مما يدفعه لتشكيل جيش رديف (قوات الدفاع الوطني)، ثم للاستعانة بميلشيات خارجية، هذا الموالي يعيش إحباطاً ثقيلاً يقتل فيه دافع التعامل العنيف مع الجمهور الذي يعتبره معارضاً
والمعارض الذي عاش مرحلة الثورة الأولى على أمل السقوط الوشيك للنظام، يرى بعد كل هذا الزمن كيف أن النظام يستمر ويمارس كل أنواع العنف دون رادع من ضمير أو من مجلس أمن، وأن القوى الإسلامية الجهادية تسيطر على القوة العسكرية المواجهة للنظام، وأن الممثل السياسي للثورة بلا مصداقية ولا يمتلك زمام أمره، وأن البلاد في طريق خراب عام، هذا المعارض يعيش أيضاً إحباطاً ثقيلاً يقتل فيه عزيمة التعامل العنيف مع الموالين
كلا الطرفين يثقل الإحباط عليهما، كلا الطرفين يستسلمان لتيار الأمر الواقع وقد فرغت نفوسهم من طاقة التغيير دون أن يشاركوا في أنشطة التغيير
هذا حال يساهم في تفسير السلام الأهلي في الساحل، ولكن من ناحية أخرى يشير إلى أن الناس تحولت إلى عجينة يائسة يمكن لأي قوي أن يفرض مشيئته عليها إذا قيض له أن يستولي على الساحل، ليصنع نظاماً أسدياً مصغراً بوجود أو بغياب الأسد
source : http://www.ana.fm/ar/articles/تحليلات-و-مقالات/161058063374716/عن-السلم-الأهلي-في-الساحل-السوري/