عن « جبهة النصرة » في سوريا – مانيا الخطيب
أخطر ما يميز هذه المرحلة من عمر الثورة السورية المجيدة، التي تحولت إلى ما يشبه حرب تحرير شعبية سورية من محتل داخلي، هي محاولات خلط الحابل بالنابل ومحاولات تضييع البوصلة.. وأبرز مثال على هذا هو التركيز على « جبهة النصرة » التي تكاد تتصدر أخبارها والحديث عنها معظم المنتديات هذه الأيام.. وكأن هذه الجبهة قد بدأت تتحول قصصها إلى ما يشبه البعبع أو قصص الغول التي كانوا يحدثوننا عنها ونحن صغار. ليس عندي معلومات إحصائية دقيقة عن هذه الجبهة، ولكني باستنتاج ومحاكمة عقلية بسيطة يمكنني قول ما يلي: – حرف أنظار الناس عن جرائم النظام وفظاعاته بهذه الطريقة المكشوفة يقف وراءه النظام نفسه.
– ساعدت أمريكا الحليف الرئيس للنظام السوري الأخطبوطي البشع في هذا بأن وضعت هذه الجبهة على قائمة الإرهاب وبهذا فقد ساهمت بمحاولة تشويه ثورة الكرامة والحرية في سوريا.
– يناسب هذا الوضع « إسرائيل » التي تستمد وجودها من خلق أخطار خارجية تستجدي مساعدة الآخرين لمواجهتها.
– يناسب هذا الوضع « النظام الإيراني » لتجييش من يواليها بأسلوب البزنس الديني الذي يشكل العمود الفقري لوجودها، ولوضع أصابعها الطائفية المسمومة في سوريا.
– يحضرني عند متابعتي لهذا الأمر، والزاوية التي يطرح منها، أمثلة مثل « شاكر العبسي » في نهر البارد في لبنان و « الزرقاوي » في الأردن وأمثلة متفرقة من أعمال الإرهاب التي تحمل بصمات النظام السوري المسمومة.
– يمكن في هذه الظروف المأساوية التي تمر بها سوريا، وفي حالة الفلتان الأمني الذي يسعى إليه اللانظام السوري، أن تختلط الرؤيا، وهذه مهارة أتقنها النظام ببراعة.. مهارة خلط الأوراق وتضييع الطاسة، هذا الخلط، في هذا السياق ليس بعيداً بالنسبة للإنسان العادي، وهي سلق الجميع في نفس القدر.. وهذا بالضبط ما يريده أعداء الثورة السورية المباركة. أشياء عديدة أخرى يمكن ذكرها في هذا السياق والأسئلة الآن: – أين كان « المثقفون » السوريون الليبراليون والعلمانيون والمتحررون عندما تركوا الساحة لحدوث هذه الفوضى الفكرية عند الناس.. أين كانوا عندما كان كل هذا التشويش يتشكل وينمو ويأخذ دوره على الساحة.
يحضرني قول لأحد وزراء هتلر: « عندما أصادف مثقفاً، أشعر مباشرة أنني أتحسس سلاحي ».. لما للمثقف من أثر يجب أن يكون عميق ومؤثر وخصوصاً في أوقات المحنة، لكن في حالتنا السورية هذه فقد حصل النظام السوري المجرم على هدية، طقم من المنظرين الذين يديرون ظهورهم للعمل الميداني ولا تنسيق بينهم وبين الناس بشكل متواضع، ودود، وعملي.. ويتقوقعون في حجرهم بفوقية وغرور وأنانية… ثم عندما يرون ما لا يعجبهم… يبدأون بالنعيق والنقيق.
– هل يعتقد أحد، أن الشعب الخارج من مستنقع العبودية وأوحالها، وفسادها وسرطاناتها ليصنع ثورة تواجه واحدة من أعقد التشابكات الإقليمية سيقوم بثورة مخملية برتقالية، أو حمراء، أو ياقوتية مرصعة بالألماس والياقوت ويفوح منها رائحة الياسمين والعنبر والريحان، بل ربما يظن البعض أن يفوح منها روائح الماركات العالمية لوريال مثلاً …ألن يخرج من هذا الجحيم والكابوس شعب تواق للحرية، ضرب مثلاً أسطورياً في شجاعته وسلمية ثورته حتى أجبر على نهر الدماء، وتعرض إلى ما يمكن أن يحول أي شعب في الكون إلى قطيع من الوحوش المفترسة من شدة الوحشية، ومحاولات السحق وامتهان الكرامة التي تعرض لها، ومع ذلك ما زال حتى اللحظة، يثبت أنه سليل الحضارة والإبداع. إنني وبكل تأكيد وحتمية، أدين وبشدة وبكل وضوح، أي فعل تكفيري، إقصائي، تخويني، إجرامي، تشبيحي، تخريبي، من أي جهة كانت سواء كان مصدر هذا الفعل جبهة النصرة، على قلة معرفتي الدقيقة الإحصائية عنها، وسواء كان مصدره من أي جهة كانت… ولكنني قبل ذلك، أصيح بأعلى صوتي، أن لا تحولوا عيونكم وعقولكم وتركيزكم عن الهدف الرئيس لهذه الثورة المباركة، وهو اسقاط وتفكيك الجهاز الأمني المخابراتي، المافيوي، الفاسد في سوريا، ومسح عار هذا الحكم وهذا « الرئيس » المعتوه وبالتزامن معه تنظيم الجهود والكوادر لمواجهة استحقاقات ما يليها، والوذمات اللاحقة لهذه العملية الجراحية المعقدة التي ستمر بعدها سوريا بفترة من النقاهة، لتستعيد الدور الجميل الدافئ الذي تميزت به دوماً.