ع المكشوف….ومن الآخر – آرام الدمشقي

Article  •  Publié sur Souria Houria le 31 janvier 2013

سوريا هي درّة الهلال الشيعي الممتد من أفغانستان شرقاً إلى لبنان غرباً مثلما كانت الهند درّة التاج البريطاني، وهي تقع منه موقع القلب.

هذا الهلال الذي قررت أميركا إقامته، بعد أحداث الحادي عشر من أيلول 2001 وتفجيرات مدريد وباريس ولندن، بغرض مواجهة الأصولية السنية/الوهابية المتجسدة بتنظيم القاعدة، بأصولية شيعية متمثلة بولاية الفقيه، كي تتصارعا فيما بينها على « أرضهما » لعقود قادمة بينما يبقى الغرب بمنأى عن إرهاب الطرفين، وقد كلفها إقامته آلافاً مؤلفة من الجثث وعدة تريليونات من الدولارات.

ما يجب ألا يغيب عن بالنا جميعاً أنه لم يكن ممكناً لأميركا وحدها إقامته لولا تعاون إيران وإسرائيل معها وتقديم كل أشكال الدعم المباشر وغير المباشر لها.

بدأت ولادة هذا الهلال إثر غزو أفغانستان وتسليمه لإيران بعد القضاء على حكم طالبان والقاعدة، وتتابعت فصوله بغزو العراق والإطاحة بنظام صدام حسين وتسليم العراق أخيراً لإيران عبر شخص المالكي وائتلاف دولة القانون رغم خسارتهما للانتخابات البرلمانية لصالح قائمة العراقية التي يرئسها الشيعي، لكن ذو التوجه العربي، أياد علاوي وذلك عبر مسرحية دستورية لا زالت ماثلة في الأذهان.

واستُكملت إقامته بتلزيم كل لبنان إلى حزب الله عبر تمثيلية حرب تموز 2006 وبعدها اجتياح السابع من أيار 2008 وأخيراً بإسقاط حكومة الحريري وتشكيل حكومة ميقاتي.

تم أيضاً إطباق الحصار على مهد الأصولية السنية/الوهابية في شبه الجزيرة العربية بحزام شيعي من الجنوب الغربي (اليمن) ومن الشرق (البحرين والكويت والمنطقة الشرقية للسعودية)

لم تكن هناك من مشكلة في سوريا، إذ أنها كانت أولى الدول الملتحقة بنظام ولاية الفقيه، لأسباب ليست خافية على أحد، ولذلك لم تتعرض إلى أي هزة، لكن الحدث الذي قلب كل المعادلات هو اندلاع الثورة في شهر آذار من العام 2011.

قامت الثورة لأسباب لا علاقة لها بكل المعطيات « الإستراتيجية » التي أملتها مصالح الكبار، لكنها كانت نتيجةً حتميةً لتغوّل النظام المفرط، أمنياً واجتماعياً واقتصادياً، إثر الثقة الجامحة التي تولدت لديه بعدما حظي مجدداً بمباركة الكبار لدوره الإقليمي المتناسق والمتطابق مع ما يسعون إليه.

هنا وقعت الأطراف الفاعلة في إقامة الهلال الشيعي، وتحديداً أميركا وإسرائيل، في مأزق لم يتمكنوا من الخروج منه بعد، فلا هم قادرين على الوقوف علناً ضد الثورة لأن ذلك يناقض ادعاءاتهم « المستحدثة » بدعم الديموقراطية وحقوق الإنسان وحق الشعوب في تقرير المصير، كما أن وقوفهم ضد الثورة ومع النظام سيفضح كذب ودجل حالة العداء المعلن بينهم وبينه كما وتصنيفهم له كجزء من محور الشر…. ولا هم براغبين بدعمها لأن انتصارها سيعني حكماً خروج سوريا وخروج لبنان من هذا الهلال، بحكم أن خروج سوريا منه سيرفع يد حزب الله عن لبنان، وسيعني هذا انكفاء الهلال الشيعي إلى الشرق وحصره بأفغانستان وإيران والعراق مما سيفقده كل تأثير مُتوخى على منطقة شرق المتوسط، بل سيفقده صفته كهلال.

الأنكى من ذلك أن خروج هاتين الدولتين منه سيؤدي حكماً إلى بروز محور مضاد له يبدأ من السعودية جنوباً مروراً بالأردن وسوريا ولبنان وصولاً إلى تركيا حزب العدالة « السني » شمالاً، الأمر الذي سيغدو معه ما تبقى من الهلال الشيعي نفسه إقليماً محاصراً وسيبطل مفاعيل كل ما عملت عليه تلك الدول لأكثر من عقد من الزمن.

طبعاً لن نتطرق إلى موقف الطرفين الآخرين المؤثرين على مسرح الأحداث وهما إيران وحزب الله، فهذان الطرفان لا يملكان أي رصيد أخلاقي ولا إنساني يردعهما عن إظهار عدائهما للثورة، وهما بالأصل متحالفان مع النظام تحت مسمى محور المقاومة والممانعة، وهذا ما يمنحهما مبرر تقديم مختلف أشكال الدعم له بغرض قمعها، خاصة وأن أميركا وإسرائيل تباركان سراً دعمهما هذا.

لا شيء أيضاً يلفت النظر في الموقف الروسي من الأزمة السورية بحكم أنه لا يتعدى ترجمة أمينة للموقفين الأميركي والإسرائيلي، غير المعلنين.

نقطة أخرى مهمة في هذا المعمعة: الدولة العلوية في الساحل السوري ليست مطروحة ولا مقبولة لأنها لن تكون جزءاً ذو أهمية في المعادلة الإقليمية ولن تحقق أي تعويض استراتيجي لخروج سوريا من الهلال الشيعي لأنها ستبقى محاصرة هي الأخرى دون أي امتداد جغرافي/سياسي يبرر قيامها، وهذه نقطة خلاف أساسية ومهمة بين أميركا وإسرائيل.

لكل ما تقدم، يجب الاقتناع بأنه ليس مسموحاً، لا أميركياً ولا إسرائيلياً ولا إيرانياً، بانتصار الثورة السورية وفق أهدافها المعلنة في زوال النظام القائم بكل رموزه ومرتكزاته، ولا بتقسيم سوريا (أميركياً وإيرانياً).

لا يهم تلك الدول من يحكم سوريا ولا يهمهم بقاء عائلة الأسد من عدمه (إلا اللهم إسرائيل)، بل ما يهمها هو بقاء سوريا كجزء من الهلال الشيعي مهما كان وجه النظام القادم فيها (ربما تشكل هذه النقطة مصدر الخلاف الآخر بين أميركا وإيران من جهة وإسرائيل من جهة ثانية، لكن يتم تسويق خلافاتهما للعلن عبر الملف النووي الإيراني).

النظام الحاكم في سوريا يعي هذه كل هذه الحقائق ويتصرف على أساسها بثقة مطلقة استناداً إلى البطاقة الخضراء الممنوحة له للمضي في حله الأمني والعسكري وصولاً إلى النهايات المقررة سلفاً من قبل الأطراف الفاعلة دولياً (أميركا) وإقليمياً (إيران وإسرائيل).

إنه، أي النظام، أكثر العارفين بحقيقة الموقفين الأميركي والإسرائيلي منه، ولو فهم منهما غير ذلك لما تطلب انتصار الثورة السورية وقتاً أطول من ذلك الذي استغرقته الثورتان التونسية والمصرية. 

من المنطلق ذاته يتم الضغط على المعارضة السورية سياسياً ودبلوماسياً، وعلى الشعب السوري بالقتل والتجويع والتشريد والتهجير كي يقبل الجميع بنظام يبقي سوريا جزءاً من هذا الهلال، وما مهمة الإبراهيمي والدور الروسي المتضخم، كواجهة للمصالح الأميركية والإسرائيلية، إلا إحدى أوجه الضغط هذه.

هيئة التنسيق، لأسباب وخلفيات متعددة، تعي هذا الخط الأحمر وتعمل تحت سقفه، بينما لم يقبل به المجلس الوطني، ولهذا تمت إزاحته وجيء بالائتلاف بديلاً عنه على أمل أن يقبل به، وإذا استمر الأخير في رفضه فلا أسهل من إيجاد كيان ثالث…ورابع ….وعاشر، بينما يستمر خلالها فرض الأمر الواقع على الشعب السوري من خلال عمليات الإبادة الممنهجة التي يتعرض لها على أمل إحداث تغيير ديموغرافي في بنيته يتيح لمن تبقى منه قبول « الحقائق » المفروضة.

السؤال الملح: ما العمل؟

وهل ستبقى الثورة السورية دون أي أفق أو برنامج سياسيين قابلين للطرح والتسويق وسط كل الأعاصير التي تعصف بها وبالوطن؟

ومن هي الجهة المسؤولة، تاريخياً ووطنياً، عن التصدي لمهمة بلورتهما… تلك المهمة التي لا يجب أن تعلو عليها مهمة أخرى مهما عظُمت؟

أم هل سنبقى مستمرين بمقولة « يا الله مالنا غيرك يا الله »… رغم ضبابية موقف الأخير أيضاً!