فلاديمير بوتين والمبارزة الراهنة حول سوريا – الدكتور خطار أبو دياب

Article  •  Publié sur Souria Houria le 10 septembre 2013
 
شاء فلاديمير بوتين أن يجعل من مسقط رأسه سان بطرسبورغ – عاصمة الامبراطورية الروسية من 1712 إلى 1917- عاصمة القرار العالمي إبان انعقاد قمة العشرين يومَي الخامس والسادس من هذا الشهر. لكنّ التجاذب الحاد بينه وبين باراك أوباما حول المسألة السورية أعاد العالم إلى التوتر كما في مراحل احتدام الحرب الباردة.وبدلاً من أن يزهو رجل الأمن السوفياتي السابق بلقب « القيصر الجديد » وبالمكاسب لبلده العائد بقوة إلى المسرح الدولي، ها هو يصطدم بحقائق صعبة إذ إنّ ما جناه جراء دعمه النظام السوري وتعطيل مجلس الأمن الدولي قد يتبدّد في حال قرّر الثنائي الاميركي – الفرنسي توجيه ضربة موجعة لنظام الأسد تعيد خلط الاوراق وتقلّص من قدرة التأثير الروسية.

في باحات قصور سان بطرسبورغ، لم يتذكر بوتين الذي يعتبر نفسه وريث الامبراطوريتين الروسية القيصرية والسوفياتية الشيوعية، أنّ لعبة الشطرنج تفرض جهداً كبيراً من المناورة ليحتفظ بالقلعة السورية أو بجزء منها خاصة إذا قرر الرئيس الاميركي المسالم ارتداء الزيّ العسكري متناسياً جروح افغانستان والعراق… لكنّ بوتين الرياضي الذي يتقن لعبة الجودو ربما كان يتصوّر انه سيرمي خصومه بالضربة القاضية من خلال التهويل عليهم لعدم معاقبة نظام الأسد، او ربما بالنقاط من حيث حرمانهم غطاء الشرعية الدولية (مجلس الامن) وعرقلة تشكيل تحالف دولي عبر تعقيد مهمتهم مع حليفه الصيني سياسياً والايراني عسكرياً… حتى أنّ بوتين المتصلب في حياته الشخصية والعامة خسر اوراقه حتى في الرياضة، ففي تشرين الثاني 2012 كان قد تعرّض لإصابة في الظهر في مباراة جودو بعدما رفع فيها خصمه وطرحه أرضاً ما أدّى لالتواء في العمود الفقري.

واليوم هناك التواء في السياسة الروسية ناجم عن هذا الانحياز المطلق للنظام السوري ولن يكون بالضروري لصالح موسكو، إذ إنّ مجمل مصالحها في سوريا وحولها ونفوذها في الشرق الاوسط لن يكون مقابل علاقاتها الكبيرة بالغرب وحاجتها دوماً لهذه العلاقات.

للوهلة الاولى، تصوّرت موسكو بوتين انّ قرار مجلس العموم البريطاني سيمنع واشنطن وباريس من الاستمرار في خططهما، ووصل الصلف الروسي إلى حدّ الاستهزاء والتشهير ببريطانيا إذ صرح دمتري بيكوف الناطق الرسمي بمكتب الرئيس الروسي انّ « لا علاقة اليوم لبريطانيا بالديبلوماسية ».

ووصف بيكوف بريطانيا بالقول « هي مجرد جزيرة صغيرة… لا أحد يعيرهم الإنتباه ». واستدعى ذلك رداً من رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون حول إنجازات بلاده ودوره في دحر الفاشية في أوروبا. وبالطبع لم يستثنِ المسؤولون الروس في تعليقاتهم اللاذعة أوباما الذي تحوّل حسب وجهة نظرهم إلى « رجل حرب » وكذلك فرنسا التي يعتبرونها منافساً قوياً في شرق المتوسط.

في حصاد قمة العشرين ليس هناك من غالب ومغلوب، لكن تمّ حرمان بوتين من لعب دور البطل على أنقاض دراما سورية تمتد من محطات الرصد الروسي في البحر الاسود إلى منصات الصواريخ الروسية في جبل قاسيون مروراً بالمنشآت العسكرية على الساحل الروسي في المتوسط في اللاذقية وطرطوس وكسب.

إنّ وقوف سبع دول من أصل ثمانٍ صناعية كبرى إلى جانب التوجه بالرد على استخدام السلاح الكيماوي، وكذلك اصطفاف المانيا إلى جانب إحدى عشرة دولة في التوقيع على بيان خلال قمة العشرين يؤيد خيار الرد، أثبتا عدم وجود هامش واسع للمناورة عند موسكو التي كانت تراهن على « انشقاق » برلين عن الحلف الغربي… لكنّ المستشارة انجيلا ميركل، بعد تقرير مخابراتها عن مجزرة الغوطة، وجدت نفسها في وضع دقيق، ومما لا شك فيه أنّ الذاكرة التاريخية حدت بها لعدم الوقوف ضدّ حلفائها. وسهّل هذا التحوّل الالماني اتخاذ وزراء خارجية الاتحاد الاوروبي المجتمعين يوم
7 أيلول في فيلينوس (ليتوانيا) موقفاً موحداً يرضي واشنطن وباريس.

تعتبر الاوساط الفرنسية انّ ما جرى في فيلنيوس وسان بطرسبورغ وباريس (اللقاءات مع تسعة وفود عربية يوم الثامن من أيلول) يستجيب لما تتطلّبه الولايات المتحدة وفرنسا في الوقت الحاضر وهو الحصول على الدعم السياسي الجماعي من الاتحاد الأوروبي وجامعة الدول العربية حتى وإن لم يُشر البيان الاوروبي صراحة إلى الضربة العسكرية.

ستشهد الايام القادمة المزيد من المساعي لكسب الرأي العام المحلي والدولي من قبل واشنطن وباريس مع انتظار تصويت الكونغرس الاميركي وصدور قرار مفتشي الامم المتحدة، وربما تطلّب الأمر مروراً جديداً عبر مجلس الامن الدولي قبل التوجه لتشكيل حلف إرادي للتعامل مع الوضع السوري. يمكن لهذا الفاصل الزمني أن يكون وقتاً ثميناً لتغليب فرص الحلّ السلمي والاعداد له… لكنّ الرئيس الروسي لا يبدو متحمّساً للضغط على الرئيس السوري ويفضل إفشال اوباما وهولاند في مبارزة غير مباشرة على الساحة السورية.

في هذا الفصل الجديد من اللعبة الكبرى في المشرق يسعى البعض للمقارنة مع نصب الصواريخ في كوبا أو حربَي العراق وكوسوفو. لكنّ قواعد اللعبة المختلفة تنبئ بمزيد من الاحتدام لأنّ اللاعبين الاقليميين وأبرزهم إسرائيل وإيران ستشاركان في تقرير مصير لعبة مفتوحة.

المصدر: http://m.aljoumhouria.com/pages/view/93372