كفرنبل في باريس – راشد عيسى
راشد عيسى الخميس 10/10/2013, آخر تحديث 12:35 م
« إن لم يتسن لك الذهاب إلى كفرنبل فإن كفرنبل ستأتي إليك »، هكذا علق كاتب فرنسي حين شاهد لوحات البلدة السورية ذائعة الصيت تصل إلى قلب باريس
لكن لوصول تلك الأعمال إلى باريس حكاية لا تخلو من التعب وربما المخاطرة. إذ جاء ذلك بعد زيارة شبان سوريين مقيمين في فرنسا إلى البلدة المحررة، ومعايشة أبنائها، وتظاهراتها، ومحاولات بعض الفصائل مصادرة وجهتها وشعاراتها. هناك عرفوا أن أعمال كفرنبل الخالدة مؤرشفة في مكان ما في مدينة الريحانية التركية، مكان يسمونه « سفارة كفرنبل ». لن يعترض « حَفَظةُ » اللوحات على فكرة ترحالها في معارض. لكنهم، رغم أحوال البلاد الصعبة، سيرفضون بشكل قاطع بيع أعمالهم في مزاد يعود ريعه للسوريين. لقد قرروا أن ذلك جزء ثمين من تاريخ الثورة ووثائقها ويومياتها، الأمر الذي يجعلهم أمام تحدٍّ جديد هو البحث في كيفية الأرشفة والحفاظ على تلك الأعمال، التي، رغم ذكائها وألمعيتها، اشتُغلت على عجل بهدف رفعها في تظاهرة يوم واحد، وبأبسط وأفقر ما يمكن من أدوات الرسم والخط والتلوين. لكنهم ذهلوا، وذهل العالم كيف أصبحت تلك الأعمال علامة من علامات الثورة، تزيد أهميتها اليوم مع هذا القدر من التجهم والتطرف والعباءات والملاءات السود، لتكون هي وجه الثورة الضاحك، المرح، بل والقادر على فرض لغته ومفرداته، حيث كانت البلدة من أوائل من استعمل وصف « المحتلة »، ومن ثم « المحررة »، إضافة إلى اسمها
اختار منظمو المعرض في باريس، والذي رعته جمعية « سوريا حرية »، مجموعة من بين مئات الأعمال التي أبدعتها كفرنبل، خصوصاً تلك المصممة لمخاطبة المجتمع الدولي، من بينها ما يتحدث عن الدور الإيراني والروسي في دعم النظام وإمداده بالسلاح وإنعاشه، لهذا ستتكرر الرسومات التي تتهكم على شخصية الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، ووزير خارجيته لافروف، أو المرشد الروحي الإيراني خامنئي
بعض تلك الأعمال ينتقد صمت العالم، انشغاله وتواطئه، كتلك اللوحة التي تصور احتفالات العالم بمناسبة العام الجديد في بداية 2013، حيث ثلاث صور متجاورة، واحدة لاحتفالات واشنطن، والثانية في جوار برج إيفل في باريس، والثالثة في سوريا، حيث الدمار والحرائق والأدخنة السوداء، إلى جانب أعمال يصوّر بعضها طرد سفيرة النظام السوري من باريس في خبر عاجل لفرانس 24، وسواها. هذا إلى جانب كتابات ولافتات تنتمي إلى مراحل مختلفة من عمر الثورة السورية
بعض الأعمال موقّع باسم أحمد جلل، الاسم الأشهر من كفرنبل، وبعضها الآخر باسم إيمان، فيما تركت الأعمال الأخرى من غير توقيع. كما أن المعرض الباريسي قدم لوحات البلدة السورية مرة كما هي مرسومة كلوحة، ومرة أخرى كما ظهرت في التظاهرات الحية، مع وجوه المتظاهرين من أبناء البلدة يتحلّقون حولها، كما لو أنهم أيضاً يضعون إمضاءاتهم. وهم محقون في تبنّيهم لتلك اللوحات، حيث قيمة اللوحة هنا ليست في أسلوبها وألوانها وتقنياتها وفكرتها وحسب، بل أيضاً في كونها رُفعت في تلك التظاهرة، في تلك البلدة الفقيرة، في مواجهة أعتى نظام عرفه التاريخ. هكذا يصبح بديهياً أن يسجّل ويطبع فوق تلك الأعمال: الاسم كفرنبل. بالطبع من دون أن يغيب عن البال الحلم بمشروع
يحفظ أعمال تلك البلدة، ليس من أجل تاريخها هي بالذات، بل كذلك من أجل كتاب التاريخ السوري المقبل
Source : http://www.almodon.com/Culture/Left-Articles/كفرنبل-في-باريس