كلمة الناشطة ريمة فليحان في البرلمان الأوروبي في فرنسا: المرأة السورية في ثورة الحرية… وجود وروح ورؤية
المرأة السورية في ثورة الحرية وجود و روح ورؤية…
السيدات والسادة
بداية اسمحوا لي وبكل اعتزاز بان اشكر كل من ساهم بوصولي الى هذا المكان لأحمل معي اصوات نساء بلدي ورجالها من الذين خرجوا طالبين للحرية
باسمي وباسم المرأة السورية وباسم لجان التنسيق المحلية في سوريا وكل من خرج الى الشارع من اجل حريته اشكر كل الدول والشعوب التي تقف الى جانب الشعب السوري في نضاله من اجل انسانية اكثر عدالة واكثر أخلاقية
امس قتل ما يزيد عن اربعين سوريا في حماه وحدها على يد النظام … وخلال عام وشهر من بداية الثورة اكثر من 12000 الف سوري بينهم نساء وأطفال قضوا نتيجة الجرائم التي يرتكبها النظام السوري بحق الشعب الذي خرج من اجل كرامته…
الاف المعتقلين… عشرات الالاف من اللاجئين الذين فقدوا منازلهم لتصبح الخيم امانهم الوحيد من البرد والمستقبل المجهول .. بالإضافة الى الاف المعتقلات و المعتقلين القابعين تحت سياط الجلادين ووسائل تعذيبهم في أقبية المخابرات في كل مكان…
في بلدي يجمع الاباء أشلاء اطفالهم الممزقة علهم يتمكنوا من ضمة اضافية بعد ان مزقت القنابل القادمة من الدبابات دفء الاسر وأمان المنازل..
في بلدي يقتل الصحفيين وكل من يحاول نقل الألم القادم من دمائنا وعذاباتنا أمام نظام لا يرحم..
نظام قرر ان يمضي بالقتل حتى اخر سوري بينما قررنا كشعب ان نمضي حتى نصل الى حريتنا المولودة كشمس جديدة بعت ليل طويل…
هي حالة لا تشبه اي شيء اخر… لأنها تماما شعور بالتحليق يرافقه خفقان سريع بالقلب..
انها حالة من الانعتاق والانطلاق نحو الشمس.. في تلك اللحظة تنهمر الدموع ويرتجف الجسد و نتوحد مع كل الاخرين المحيطين بنا في المكان لنصبح كيانا واحدا . .. تلك هي الحالة التي شعرت بها حين اكتشفت صوتي للمرة الاولى طالبة الحرية في اول مظاهرة نزلت بها الى الشارع كما فعل كل السوريين الذين حطموا حواجز الخوف الرهيبة و المبنية عبر اربعين عاما من الظلم والقمع على ايدي المخابرات ونظام لا يرحم احدا.. حالة رافقت نزولي الى شوارع دمشق وصراخي للحرية…. وهي الحالة التي جعلتني اكثر انخراطا بالثورة منذ بدايتها والتي استمرت الى ان فارقت وطني الغالي مرغمة بعد ملاحقة اجهزة المخابرات لي لأصبح لاجئة في بلدان الجوار بتاريخ 27/9/2011 ليصبح الوطن حلما والعودة هاجسا…
في 15 /3 /2011 خرج السوريون كالشمس الى شوارع دمشق ليصرخوا الشعب السوري لا يذل بعد ان غرقوا في العتمة التي ألقتها عليهم مملكة الصمت طوال اربعين عاما من حكم الاسد الاب والابن….
في بلادي ثورة حريات .. ثورة كرامة… والاهم على الاطلاق ثورة انسان…
فالثورة في بلدي لا تتعلق بالسوريين وحدهم ابدا.. لان انتصارها سيكون انتصارا للإنسانية واثباتا ان قدرة الانسان على البقاء والمقاومة السلمية قادرة على الانتصار على العنف والقمع والقتل اليومي والديكتاتورية… وهي الحالة التي يعيشها السوريون منذ اليوم الاول لثورتهم..
ولان هذه الثورة ثورة حريات ومساواة وعدالة فقد شاركت المرأة السورية بها جنبا الى جنب مع الرجل حيث كانت المتظاهرة وقائدة للمظاهرات والمنسقة كما كانت الاعلامية والحقوقية و الطبيبة والممرضة والكاتبة والفنانة والسياسية والاهم اطلاقا الام…
الام التي كان قلبها يرافق ابنائها الخارجين الى دروب الحرية على امل العودة احياء من شوارع الحياة والموت في بلدي…
فكل خروج للمظاهرات في بلدي قد يعني الاعتقال او الموت… ومع هذا فأمهات وطني اليوم ان لم يخرجن للتظاهر بأنفسهن فحسب بل يدفعن اولادهن للخروج لان حب الوطن والكرامة يفوق كل شيء…
الامهات في بلدي يخبؤون في بيوتهم ابناء امهات اخريات بنفس لوعتهن على اولادهم… ويقدمون اولادهم للاعتقال بدلا عن المختبئين في غرف المنزل حين تداهم المخابرات البيوت بحثا عن الفارين من المظاهرات
في بلدي « ام احمد » ذات الثمانين عاما تخرج لتصرخ على الشبيحه وتبعدهم بعصاها التي تتكئ عليها لتحمي الشباب المنادين للحرية…
في بلدي نتقاسم الاولاد والامهات فتصبح امهات الشهداء امهاتنا جميعا ويصبح اولاد الشهيدات ابنائنا ايضا لاننا توحدنا اصلا في طلب الحرية وتوحدنا في ذوباننا بهذه الثورة المولودة من رحم الربيع العربي ومن رح معاناتنا الطويلة مع نظام القمع والاستبداد …
في المظاهرات تلتقي الامهات والابناء والاخوة والاخوات في نفس الشارع .. و نتقاسم جميعا اللحظة والشعور.. وعلى نفس المستوى فإننا نتقاسم العذاب في اقبية المخابرات وسجون الظلم … ونتقاسم الموت وتلقي الرصاص…
في هذه الثورة ساهمت المرأة منذ اليوم الاول واعتقلت في 16/3 اكثر من عشرين سيدة ممن اعتصمن امام وزارة الداخلية
كما لمعت الكثير من الاسماء ومنها صديقتي الغالية الحقوقية رزان زيتوني وهي من مؤسسي لجان التنسيق المحلية و الحائزة على عدد من الجوائز العالمية لعملها الحقوقي والاعلامي والتي ما زالت في سوريا رغم كل الخطر تناضل من خلال لجان التنسيق المحلية وتوثق الانتهاكات وتعمل بصمت تحت خطر الاعتقال وما قد يرافقه في اي لحظة…
ومنها ايضا البطلات الثائرات سمر يزبك و سهير الاتاسي ومي اسكاف وخولة دنيا والكثيرات ممن يصعب ذكرهم الان ممن اعرفهم ولا اعرفهم كثائرات ومناضلات قدمن الكثير وما زلن حتى اللحظة..
منذ ايام خرجت مجموعة من الشابات امام البرلمان في سوريا وفي التجمعات التجارية الضخمة لتحملن اقمشه مكتوب عليها أوقفوا القتل نريد ان نبني وطنا لكل السوريين.. فكانت النتيجة اعتقالهن جميعا ومنهم الشابة ريما دالي التي بدأت بالمبادرة ..
هذه هي ثورتنا … ثورتنا المدنية الشبابية التي تحلم بوطن لكل السوريين والسوريات …
وهذه هي جريمتنا انه الحلم الذي اردنا تحقيقه بحياة اكثر عدالة الحلم التي ندفع ثمنا له ارواحنا و سجننا وتعذيبنا وتدمير بيوتنا وتشريدنا من منازلنا واوطاننا…
دعوني اذكر لكم بعض الارقام التي قمنا بتوثيقها في لجان التنسيق المحلية :
فقد بلغ عدد الطفلات الشهيدات 377 طفلة
وقد بلغ عدد النساء الشهيدات 950 سيدة
كما تم توثيق الاف الاعتقالات التي طالت الفتيات والنساء
بالإضافة لآلاف اللاجئات في كل مكان
ناهيك عن حالات الاغتصاب التي تعرضت لها النساء والطفلات من قبل الشبيحية والامن في عدد من المناطق الساخنة وفي بعض مراكز الاعتقال
ولأننا كنساء قمنا بكل هذا فأننا سنكون حريصين على ان يكون المستقبل اكثر انصافا لنا من حيث تطبيق المساواة الكاملة مع الرجل في سنطالب بتطبيق اتفاقية سيداو دون تحفظات كما سنسعى لقانون اسرة مدني يضمن المساواة في الحقوق والحياة العامة بما يتوافق مع كل الاتفاقات الدولية المتعلقة ذات الصلة ولهذا فأننا نطمح لخلق بيئة مساعده لعمل منظمات المجتمع المدني عبر المطالبة بقانون جمعيات سهل وحر يضمن انشاء جمعيات مجتمع مدني تعمل في هذا المجال بالإضافة لتشريعات قانونية متوافقة مع حقوق الانسان …
المرأة في سوريا عانت من انتقاص في حقوقها طوال السنوات التي مضت في القانون والمجتمع وفي التمكين السياسي والاقتصادي ايضا
لقد كنا في معركة طوال الوقت من اجل تعديل بضع مواد في قانون العقوبات التي لا تساوي بين الرجل والمرأة والتي تشرعن قتل المرأة في ما يسمى جرائم الشرف كما كنا في معارك دائمة لتغيير قانون الاحوال الشخصية التمييزي وقانون الجنسية الذي لا يعطي المرأة السورية الحق في منح جنسيتها لأولادها بالإضافة الى قانون العمل والى التابوات الاجتماعية الكثيرة والتي ساهم النظام في تكريسها عبر الفساد القانون والاداري بحيث كانت تمرر زيجات الفتيات القصر بالاكراه وتسرب الفتيات من المدارس بالإضافة لقضايا العنف الاسرى التي لم تكن مغطاة بقانون خاص وهذا ما ادى لتمييع هذه الحالات وعدم ملاحقتها قانونا..
بالإضافة لقمع الجمعيات التي تعمل في حقوق المرأة والغاء تراخيص المرخص منها والملاحقة الامنية للناشطين والناشطات…
ومن خلال مراقبتنا للنتائج التي وصلت اليها بعض الدول التي مر بها الربيع العربي فإننا لا نخفي بعض المخاوف ولكن ما يطمئننا ان الديمقراطية ستجعل الحراك المدني اسهل وانشاء الجمعيات ومنظمات المجتمع المدني اسهل كما ان من يهزم نظام ديكتاتوري بثورة قادر ان يثور مرة اخرى على اي نظام ينتهك حقوقه مهما كان بالإضافة لتأكيدات المجتمع الدولي واهتمامه الدائم بحقوق المرأة وهنا دعوني اقول ان خلاصنا من النظام القمعي في سوريا سيجعل الحراك من اجل حقوق الانسان اكثر سهولة وبالتالي فلدينا الفرصة كناشطات بالعمل المجدي اكثر بكثير من ظل النظام القمعي …
ومن اجل بعض التفاؤل فإنني اعلمكم باننا اليوم وعبر الكثير من الناشطين والناشطات نعد للمرحلة القادمة للاهتمام بقضايا المرأة وللعمل على تحقيق المساواة وانصافها ونقوم بالأعداد لمشاريع تنموية وحقوقية ومؤسساتية من اجل هذه الموضوعات تحديدا وضمان المساوة بداية من الدستور مرورا بكل التشريعات الاخرى بالإضافة لتمكينها الاقتصادي والسياسي والاجتماعي..
اخيرا.. في بلد يناضل اليوم من اجل حريته ويدفع ثمنها الكثير من الدماء لن نقبل ابدا لأي انتهاكات بحقوق الانسان بشكل عام ولن نرضى بوطننا الجديد الا بمبدأ المواطنة كأساس تقوم عليه سوريا يساوي بين كل ابنائها نساء ورجال ومن ومختلف الانتماءات دون اي تفريق على اساس الدين او الجنس او الانتماء…
الحرية لسوريا وشكرا لكل من يقف الى جانب السوريين في نضالهم من اجل كرامتهم وولادتهم الجديدة
شكرا لكم
ريما فليحان
٢٤ نيسان ٢٠١٢ فرنسا – ستراسبورغ
كاتبة سيناريو سورية معارضة
ناطقة باسم لجان التنسيق المحلية في سوريا