كم هو سيءٌ الحاكمُ الذي يضطر شعبه للاستعانة بالأجنبي للتخلص منه – الطاهر ابراهيم
كثيرون هم الذين استنكروا أن يبادر ثوار ليبيون فيطلبون من حلف الأطلسي التدخل لإيقاف القتل والتدمير اللذين كان يمارسهما ‘معمر القذافي’ ضد الشعب الليبي الأعزل. لا نريد هنا أن نجد رخصة للشعب الليبي وقد كنا حرّمنا ذلك من قبل على المعارضة العراقية يوم طلبت من أمريكا غزو بلادها لإطاحة ‘صدام حسين’، فليس ذلك ما نريده في هذا المقال
ما نود توضيحه هنا هو مدى الإحباط بشعب ما، يعاني من حاكم ظالم استبد به بعدما فرض نفسه عليه حاكما ظالما مستبدا، وهو لا يرى في الشعب إلا آلة العمل التي تنتج المال للحاكم ولعائلته وحاشيته. ليس هذا فحسب، بل إنه يسومه سوء العذاب، إلا من استطاع أن ينجو فغادر وطنه هربا بنفسه وأهله من جحيم أجهزة الأمن يعتبر نفسه وقد ولد من جديد في سورية، عاش السوريون تحت نير حكم ‘آل أسد’ على مدى أربعة عقود، تلهب ظهورهم سياط أجهزة الأمن التي اختار ‘حافظ أسد’ قادتها وضباطها على عينه بعد أن استولى على السلطة بانقلاب في عام 1970 عمل ‘حافظ أسد’ على تفصيل دستور عام 1973 على مقاسه ومقاس أعوانه، وأغرق البلاد بالقوانين الاستثنائية مثل قانون الطوارئ، وشرع المحاكم الاستثنائية لتحاكم من يشك بولائه، كما حصل في عام 1979 وما بعده حتى عاش الناس في رعب وخوف وفزع، وأعدم آلاف المعارضين وانقطعت أخبار عشرات الآلاف ممن غيبوا في السجون، وأفقر الشعب واستذله بتقليل المعروض من المواد الغذائية مثلما حصل في ثمانينات القرن العشرين. ولم يكن حال السوريين بأحسن حالا في عهد بشار إلا بالانفتاح الاقتصادي الذي أتاح للمافيات من أسرته أن تنهب البلاد والعبا إن قبول الليبيين بمحض إرادة ‘المجلس الوطني’ بتدخل حلف الأطلسي لإسقاط حكم ‘القذافي’ لا يؤشر على ضعف وطنية الليبيين، بل يشير إلى أنهم شعروا بوطأة الحرب التدميرية التي شنها عليهم القذافي، ولا قبل لهم بها. لا نقول أنهم اجتهدوا وأخطأوا، لكن نقول أنهم حشروا في الزاوية، فما وجدوا أمامهم إلا قبول اليد التي امتدت إليهم هنا نريد أن نتساءل: كم هو سيءٌ الحاكمُ الذي يضطر معه الشعب لطلب المعونة من دول أجنبية، كانت تصنف حتى الآن على أنها مناصرة لإسرائيل. استطرادا، فقد دخلت ليبيا تحت الفصل السابع لمجلس الأمن، وستجد عنتا شديدا للخروج منه. فقد فرض الفصل السابع على العراق علم 1991، ولم يستطع التخلص منه، فواشنطن تؤيد بقاءه
وربما استشهد المجلس الوطني الليبي بالأقوال المأثورة من مثل بيت الشعر إذا لم تكن إلا الأسنة مركبا فما حيلة المضطر إلا ركوبها حتى الآن ليس مطروحا عند السوريين طلب المعونة العسكرية لإسقاط حكم ‘بشار أسد’ رغم أن الإرث البشع لقمع النظام السوري كان أشد وطأة من إرث نظام ‘معمر القذافي’ على مدى أربعة عقود في كلا النظامين في سورية هناك نفور شديد من قبول المساعدة العسكرية الأجنبية حتى ولو كانت تحت لواء مجلس الأمن، لأن الثقافة الوطنية رسخت على مدى عقود كرهاً لأي تدخل أجنبي في سورية. ويرفضون مقولة: أن حافظ أسد وافق على إرسال الجيش السوري ليحارب العراق تحت راية الجيش الأمريكي عام 1991، فلماذا لا تقبلون بمساعدة الأجنبي للإطاحة بالنظام؟ القضية ليست معاملة بالمثل عند السوريين، فيقبلون تدخلا عسكريا للإطاحة بحكم بشار أسد، بل هي ثقافة وطنية راسخة لا تخضع لموازين المصلحة الوقتية وفي ظل رفض السوريين الاستعانة بالأجنبي، وعجز الدول العربية والإسلامية عن تقديم المعونة العسكرية للشعب السوري الذي استحر فيه القتل، يفتش السوريون عن أنجع وسيلة لإيقاف شلال الدم الذي يتدفق بالقصف المركز من الدبابات والمدفعية، ليس على المتظاهرين فحسب، بل وعلى الأحياء السكنية كما حصل في حي الرمل في اللاذقية من حيث المبدأ، لا يمانع السوريون، بل إنهم يطلبون أن يضغط المجتمع الدولي على النظام السوري، سياسيا واقتصاديا، بحيث يتضافر الضغط الشعبي مع الضغط الدولي كي يضطر الرئيس السوري إلى الرحيل هو ونظامه، ولا نظنه سيفعل ذلك، لأن الحكام استمرؤوا على التسلط على رقاب العباد. كثيرون يعتقدون أن مصيره سيكون أسوأ من مصير ‘القذافي القدس العربي – ٣ أيلول ٢٠١١
|