لا.. يا « شيخ »! – محمد أبو رمان
في بيان « عرمريّ »، أكد حزب الله أنّ ما كان يخشاه وما حذّر منه أمينه العام، حسن نصرالله، وقع فعلاً من « اعتداء على المقدسات والمحرّمات »، عندما نبش (وفق رواية الحزب) مسلّحون قبر الصحابي حجر بن عدي الكندي، الموجود في قرية عدرا قرب دمشق!
هذا الغضب الكبير، وتلك اللغة الحاسمة في البيان، المتألمة على « الحرمات » و »المقدّسات » (مع كل الإجلال لرفات هذا الصحابي الجليل، ولسيرته العظيمة في رفضه للظلم والفساد، فدفع حياته ثمناً لذلك في عهد معاوية بن أبي سفيان)، لم يظهرا البتة (في بيان حزب الله) عن مئات القتلى من الأطفال والنساء والشيوخ الذين قتلهم جيش بشار بوحشية في الوقت نفسه في البيضاء وبانياس! بينما يتباكى الحزب على رفات الصحابي حجر.
لم ينبس الحزب ببنت شفة ضد قتل المدنيين والأبرياء في حمص والمحافظات السورية المختلفة، وتجاهل تماماً كل هذه الدماء والأعراض والحرمات، التي هي بلا أدنى شكّ -في ديننا وأخلاقنا وتاريخنا- أعظم حرمة وأكثر قداسة من قبر ورفات أحد الصحابة (مهما كانت مكانته في الإسلام)!
نعرف أنّ الحزب حسم أمره تماماً وأعاد هيكلة أولوياته، عندما دخل بقوة ومباشرةً وبوضوح على خطّ الأزمة السورية، عبر إرسال المئات من أفراده، ومعهم أفراد جيش بدر العراقي، وفيلق القدس الإيراني، خلال الأشهر الماضية، ليقاتلوا جميعاً إلى جوار النظام السوري، في محاولة بائسة لإنقاذه من النهاية المحسومة والمحقّقة، مهما طال أمدّ « ممانعته » لثورة الشعب ولحقه في التحرر والحرية!
عدم انحياز الحزب للثورة السورية لم يكن غريباً، بل كان خياراً متوقّعاً، لأنّ « معادلة » الحزب الداخلية والإقليمية مبنية على العلاقة العضوية مع إيران ومصالحها في المنطقة. وحتى موقع الحزب ومستقبله في المعادلة اللبنانية يعتمد بدرجة رئيسة على ما سيحدث في سورية من أحداث وتطوّرات. ربما لم نتفاجأ بوقوف الحزب في المجمل مع النظام السوري، لكن صدمة الشارع العربي تمثّلت بهذا السفور الطائفي الأعمى الذي حكم خطاب الحزب وسلوكه خلال الأشهر الماضية، ففقد نصرالله في أشهر قليلة ما بناه خلال سنوات طويلة من صورة رمزية لدى جماهير العالم العربي والإسلامي، والتي تجاوزت تماماً البعد الطائفي، وانحازت لحزب الله و »حماس » والقوى المناضلة ضد الاحتلال الصهيوني.
خطابات نصرالله الأخيرة، ودخول حزب الله المؤسف إلى جانب النظام السوري، وبروز ذلك علانية اليوم، باعتراف قادة الحزب وأنصاره، أفقد نصرالله قيمته السياسية والرمزية والبطولية، وهو الأمر الذي عجزت عنه الأنظمة العربية خلال السنوات الماضية، برغم كل ما بذل من جهود في سبيل ذلك.
كان بإمكان الحزب أن يكتفي بالموقف « الصامت »، أو أن يتوازن في خطابه ومواقفه، أو يتوارى كأضعف الإيمان، أو أن يصدر بيانات تندّد بقتل المدنيين والأبرياء، ويدعو إلى الحوار والعقل، ويبادر مع قوى إسلامية أخرى إلى حل الأزمة السورية. لكن ما اختاره نصرالله، أو ما فرضته عليه المرجعية الحقيقية له في إيران، هو أسوأ خيار على الإطلاق، ليس له وحده، بل للجميع؛ لأنّ ولوغ حزب الله في دماء السوريين وأعراضهم لن يكون خارج سياق الاصطفاف الطائفي المقيت!
ليس المطلوب أن يتخلّى الحزب عن « شيعيته »، لكن ألا يصل إلى المساعدة على قتل الشعب السوري وإبادته، وإعانة الطاغية على المدنيين والمدافعين عن حقهم في الحرية. فحتى لو كان هنالك مؤامرة، كما يجادل أمينه العام، وهي موجودة بالتأكيد على الجميع، ولو كان هنالك « عصابات مسلّحة »، كما يتذرعون، فإنّ بشار الأسد، يا شيخ حسن، ليس هو علي بن أبي طالب، وبالضرورة ليس ابنه الحسين أيضاً!