لحن الخديعة في سورية – زهير قصيباتي

Article  •  Publié sur Souria Houria le 23 février 2012

أوباما يغني البلوز… لمَ لا، فالرئيس يجد الوقت للموسيقى في البيت الأبيض، يجيد الترفيه عن المدعوين، كما يجيد عض إيران بأسنان العقوبات، وعض النظام السوري بأسنان «العزلة». يجيد العزف على أوتار الأزمات، يتعايش مع «الربيع العربي» بلا أكلاف من دماء الأميركيين وجنودهم

ولكن، تسقط صحافية أميركية برصاص آلة القتل في سورية، حدث ذلك بعد حفلة البلوز في البيت الأبيض. وإن كان من خطأ ارتكبته ماري كولفن، كالمصور الفرنسي ريمي أوشليك في مدينة حمص، فلعله اندفاعهما بلا تريث ريثما تنجلي حقيقة مَن يقاتل مَن، ومَن يُقتل، ومَن يعارض

أليست تلك مهمة رئيس الأركان الأميركي الجنرال مارتن ديمبسي الذي لا يعرف مَن هم معارضو النظام في دمشق و «ما طبيعتهم»؟!. فيما يبدو رئيس جهاز الاستخبارات الأميركية جيمس كلابر أكثر دراية بـ «تشرذمهم». بل يبادر عملياً إلى إدانتهم، حين يقرر أنهم سمحوا لـ «القاعدة» باختراق صفوفهم

ديمبسي يعطي النظام نصف شهادة بحسن السلوك، فتصبح مسؤولية فصول المجزرة في حمص وغيرها، موزعة بين «إرهابيين» ومعارضين مسلحين وجنود مؤتمَرين بالتصدي لـ «المؤامرة»

أوباما يغني البلوز، ثكالى آلة القتل في سورية لا يتجرأن على دفن الضحايا. أسنان العزلة أميركية، لا بأس، فمعدل القتلى يتصاعد، لكنه لا يتجاوز ربما خمسين شهيداً كل يوم. وحين يبلغ المئة، تنبري صحيفة في دمشق لتواجه الحكومة بـ «شجاعة»، وتهاجم التقصير في «استعادة دور الدولة» بعد هيبتها

يغني أوباما، يعزف نظام دمشق على أوتار اللحن الروسي… بوتين يمرّن عضلاته، يتذكّر أزمة الصواريخ في خليج الخنازير (كوبا)، يراهن على قفزه الى كرسي الرئاسة بعد أيام، فيما لا يجرؤ أوباما على المخاطرة لأن شوطه طويل في معركة الانتخابات الأميركية

يصمت أردوغان بعد إدانات من العيار الثقيل قصف بها النظام السوري، يصغي الى غناء أوباما ولحن الكرملين، يتريث للتعرف الى «أصدقاء سورية» في تونس غداً، وربما نتيجة الاستفتاء على دستور سوري جديد، يلعب على وتر تحجيم دور «البعث»… الاستفتاء سيمنح الروس ذخيرة في سلاح الانقضاض على شرعية المعارضة السورية وسمعتها

أوليست مفارقة، وراء كل الضجيج في الاشتباك الأميركي – الروسي في مجلس الأمن والأمم المتحدة، أن تتشارك واشنطن وموسكو في التشكيك بالمعارضين وهويتهم وأهدافهم، ونياتهم؟ ضمير البيت الأبيض لا يحتمل «العسكرة»، لذلك ما زال يراهن على احتمال استجابة النظام السوري ضغوط «العزلة الناعمة»، كما تستمرئ موسكو إقناع العالم بأنها في كل ما تفعله تمنع شرور «المؤامرة»… وبأن الدماء التي تخضّب حمص وعشرات المدن والبلدات السورية تُسكَب على جسد النظام، في غفلة منه

حتى الممرات الإنسانية مشبوهة لدى الروس، لذلك يرتّبون الأولويات: تطبيق الإصلاحات وإنهاء العنف، ثم مساعدات إنسانية، من يعِش ينعَم بها. ومن بابا عمرو إلى درعا وحلب ودمشق، ممر وحيد، إلى الموت

كان أردوغان يتوعد «النظام الطاغية» بأنه لن يقف متفرجاً، وهو بالفعل زاد عدد مخيمات اللاجئين الفارين من الجحيم. زايد الإسرائيليون على الأميركيين، تكهنوا بأسابيع معدودة للنظام في دمشق، حتى اقتنعت «سي آي إي» بقدرته الآن على الاحتفاظ بالسلطة… إلى حين. أما الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون فمنهمك بالبحث عمن ترشحه مؤهلاته لمنصب المنسق الإنساني… العاطل من العمل

وبين غرب لا يريد «التورط»، وشرق يرفض الانسياق الى «قوة المؤامرة»، سورية تبحث عن «اصدقائها»، أهلها يفتشون عن مقابر… آلة القتل تتلطى وراء القصف الأميركي – الروسي على شرعية المعارضة، وخلف حوار لا يعزف سوى ألحان جنائزية. وإن جاز للثنائي بوتين – مدفيديف مقاومة «خديعة» أخرى في سورية، بعد ليبيا، واستعادة ما يعتبرانه كرامة «جريحة»، أليس من حق السوريين أن ينددوا في كل جنازة وتظاهرة بالمؤامرة الكبرى على حريتهم وإنسانيتهم… باسم قتل «مؤامرة» القاعدة والأصوليين والخارجيين والخارجين على إرادة صماء، تتوهم قدرةً على تصفية التاريخ؟

أوباما يغني، بوتين يعزف لحن حوار جنائزي، أردوغان يصغي… فلنحصِ نحن العرب مآسينا بعد خيباتنا، شهوداً عاجزين بعقم الكرامة، أمام محنة شعبٍ يصر بشجاعته كل يوم على إسقاط وهم حوار، فات قطاره منذ شهور

الحياة – الخميس، 23 فبراير 2012

http://international.daralhayat.com/internationalarticle/365874