ليست أرضكم! -محمد أبو رمان
المواجهات التي حدثت مؤخراً بين جهاديين أردنيين في جبهة نصرة الشام (المرتبطة بالقاعدة) والجيش السوري الحرّ (وفق خبر « الغد ») هي تعزيز وتأكيد على أنّ البيئة السورية اليوم ليست أرضاً خصبة ولا صالحة لنمو القاعدة وصعودها!
قبل أيام، أيضاً، نشرت الحياة اللندنية تقريراً موسّعاً عن المواجهات بين أنصار القاعدة الوافدين والجيش الحرّ في مناطق متعددة في الشمال، بعد أن حاول « الجهاديون » تطبيق مواقفهم الأيديولوجية على بعض المناطق هناك، فتصدّى لهم الجيش الحرّ، وقتل عدداً منهم.
ثمة فرق جوهري وفجوة كبيرة لا يمكن ردمها بين مسار الثورة السورية وما تريده القاعدة؛ فالثورة السورية بدأت سلميةً، ولم يحمل أبناؤها السلاح، إلاّ مع اتساع رقعة الانشقاقات من الجيش، فكان الأمر طبيعياً، وبعد أن أوغل النظام بالدماء والأعراض والحرمات. ومطالب الثورة السورية لا تقترب بحال من الأحوال من أهداف القاعدة، التي تذهب محلياً باتجاه إقامة ما يسمى « إمارات التوحش » في الطريق إلى حكم إسلامي، ذات نزعة متشددة، وعالمياً الصدام مع الأجندات الدولية، ضمن الحرب المتأججة بين الطرفين، فيما مطالب الثورة السورية واضحة تماماً؛ حكم ديمقراطي تعددي، دولة المواطنة والحريات والتحرر من النظام القمعي والدموي.
على النقيض من ذلك، فإنّ وجود القاعدة والجهاديين هو عبء كبير على الثورة السورية، معنوياً وواقعياً، ويخدم ذلك الدعاية المضادة للنظام، والتهويل والمبالغة في حجم القاعدة وحضورها في المشهد هناك، بالرغم من إقرار البنتاغون أنّ أعداد المتطوعين لا تزيد على المئات، بينما يصل الجيش الحرّ إلى عشرات الآلاف. لا يمكن بحال من الأحوال إسقاط ما حدث في العراق من صعود القاعدة وانتشارها على ما يحدث في سورية اليوم، فهناك كان احتلال أجنبي، وغطاء من قوى سياسية داخلية- شيعية له، مع تواطؤ إيراني، ومجتمع سني مصدوم بالاحتلال، لا يملك تقاليد في العمل السري والعسكري والسياسي خارج النظام، فبدأت مجموعة الزرقاوي المعركة والتحقت بها القوى السنية الأخرى لاحقاً، فتأسس الجيش الإسلامي وكتائب ثورة العشرين في مقابل قاعدة العراق (التي تحوّلت لاحقاً إلى دولة العراق الإسلامية). ولمّا قويت شوكة المقاومة السنية، وحدث التباين بينها وبين أجندة القاعدة، انقلب السنة عليها، وانتهى الأمر باشتباكات وبانكشاف الزرقاوي ومقتله، ثم تراجع القاعدة، وانحسارها. أمّا في سورية، فالمعادلة مقلوبة، إذ المبادرة كانت من المجتمع نفسه، ومعطياتها مواجهة حكم دكتاتوري، وأهدافها الديمقراطية، وذلك يقتضي تجنب الصدام الطائفي والعرقي، على خلاف أيديولوجيا القاعدة.
على الطرف الآخر، لست من أنصار « شيطنة » الجماعات الجهادية، ففي النهاية ما حرّك مجموعات كبيرة من الشباب الجهادي هي تلك الفظائع التي تقع بحق المدنيين والتواطؤ الدولي مع ذلك، والعجز العربي، وهي بالفعل « المحفزات » التقليدية التي تدفع بهؤلاء الشباب إلى « المغامرة » بأرواحهم وحياتهم من أجل رفع الظلم والضيم، من دون أن يقرؤوا جيّداً المعادلات الدولية والإقليمية والمحلية، فيقعوا في « أخطاء قاتلة »، ويكونوا في العادة، « كبش الفدا » في أي تسويات سياسية أو استدارات داخلية!