ماذا أبقيت لنتنياهو؟! – محمد أبو رمان
يقود بشار الأسد نظامه بمسار انتحاري واضح، إلى مرحلة « ما بعد حافة الهاوية »، إذ قطع خطوط العودة إلى وراء، من خلال ما سمي بـ »خطة الحسم »، والاستسلام لـ »المجموعة الأمنية » المحيطة به، ولـ »الهواجس الطائفية » التي طغت بوضوح في الأيام الأخيرة وحدها.
داخلياً؛ عمليات الحصار والقتل الجماعي والمجازر والإهانات وآلاف المعتقلين وسعت رقعة الثورة والاحتجاجات والغضب، لتشمل دمشق وحلب، وتجذير انعدام الثقة بأي إمكانات لإصلاح النظام لنفسه، مما يزيد من احتمالات الانسحاب والتبرؤ من النظام على المدى القريب، وانهياره وتفككه على المدى المتوسط.
أمّا خارجياً؛ فقد حدثت تطورات هائلة، في مقدمتها إرهاصات التحول في الموقف الروسي، وموقف جامعة الدول العربية، ودول الخليج، وأخيراً الموقف السعودي، الذي صدر عن العاهل السعودي نفسه، ومثّل « تحولاً نوعياً »، ويشي بتطورات أكثر جدّية.
الموقف الأكثر وضوحاً وجرأة وحِدّة هو الموقف التركي، إذ صعّد رئيس الوزراء التركي، رجب طيب أردوغان، من لهجته الغاضبة ضد النظام السوري، متحدثاً عن « نفاد صبر » على المجازر التي ترتكب بدمشق.
« نظام الأسد » سقط بوضوح في الأيام الأخيرة، ولم يعد يمتلك أي نوع من أنواع الشرعية السياسية، داخلياً وخارجياً، واختار طريقاً لن تؤدي به إلاّ إلى أحد احتمالين؛ الأول سيناريو النظام العراقي بعد العام 1991، أي نظام معزول من الداخل والخارج، ضعيف يقع تحت طائلة العقوبات الدولية، مهشّم في بنيته الداخلية.
أما الاحتمال الثاني فهو السقوط والانهيار من خلال « مفاجآت » غير متوقعة في ميزان القوى الحالي، إما داخل الجيش أو الدولة، أو النظام بصورة عامة، وهو سيناريو بات متوقعاً في اللحظة الراهنة، التي تركت « العائلة » في مواجهة مع الشعب، بالاعتماد فقط على آلة القتل والدم.
ليست المسألة بحاجة إلى « فك رموز » أو « ضرب بالرمل » حتى نتأكد أن الرئيس بشار قد انتهى، وأحسب أنّ الخطيئة السياسية (لا نتحدث هنا عن مبادئ الأخلاق- فهي مفقودة)، التي وقع بها الرجل، أنّ حاشيته الأمنية، وتحديداً شقيقه المتهور ماهر الأسد، قد أقنعه بأنّ الحل الوحيد للتعامل مع الاحتجاجات يكمن بسيناريو حماة 1982، أي الاعتماد على « القوة العسكرية » وحدها، مهما كانت الكلفة الإنسانية والأخلاقية والسياسية، فالمعركة الآن هي مصير النظام و »العائلة »، و »الحلول الوسطى » غير مطروحة من الطرفين.
بالضرورة، فإنّ ما فات هذا السيناريو « العبقري » أنّ اللحظة التاريخية الراهنة مختلفة تماماً في شروطها وحيثياتها، عن تلك التي حدثت قبل ثلاثة عقود في حماة، والمواقف الدولية والإقليمية، وحتى التداعيات الداخلية تقف على النقيض من هذا « الخيار » الفاشل.
النتيجة؛ أنّ الأسد خسر أي فرصة للرجوع إلى وراء، ولم يعد أمامه سوى الاستمرار في مسلسل المجازر والدماء والقتل والإبادة، فيما يُحكم، ساعةً بعد الأخرى، الحبل حول عنقه.
ماذا أبقيتَ لنتنياهو؟! فقط خلال الأسبوع الأول من رمضان قام الأسد بارتكاب مجازر هائلة، وإبادة جماعية، وحصار مدن بالدبابات، وقصفها بالأسلحة الثقيلة، وقطع الكهرباء والماء، وقتل الأطفال والنساء، وعزلة دولية وإقليمية، وعشرات الآلاف من المشردين السوريين على دول الجوار، وجماهير عربية تخرج تطالب بطرد السفراء السوريين وقطع العلاقات مع هذا النظام، ودعاء في الجوامع على النظام.
ثمة، إذن، سقوط ديني ورمزي وإنساني وأخلاقي مروّع، وانهيار كامل في صورة النظام وعلاقاته الداخلية والخارجية، وسمعة جبّت أي إدعاء أو دعاوى بـ »الممانعة »، فأصبح عبئاً سياسياً وأمنياً وأخلاقياً حتى على حلفائه الاستراتيجيين؛ حزب الله وإيران!
هذا نظام لا يمكن له البقاء على قيد الحياة، فقد أفلس تماماً، ووصل إلى النهاية