ماذا بعد؟ – * آرام الدمشقي
ماذا بعد…؟؟؟
قامت جامعة الدول العربية بفرض عقوبات « اقتصادية » على النظام السوري بعد سلسلة من « المُهل » التي منحته إياه بدأت بأسابيع وانتهت بساعات ؟؟؟
النظام السوري وأبواقه يهاجمون قرارات الجامعة، حتى قبل أن تصدر، ويزعمون أنها تمهد لتدويل الأزمة السورية ويعتبرونها توطئة للتدخل الخارجي.
لو كانت الجامعة العربية تخطط فعلاً للتدويل المزعوم لكانت أعلنت « وفاة » مبادرتها أمام العالم وأقرت بأنها لم تتمكن من حماية الشعب السوري، وطلبت من الأمم المتحدة القيام بهذه المهمة التي فشلت فيها.
لكن إعلاناً كهذا سيتسبب في الكثير من الحرج لدول مجلس الأمن، سواء تلك « الممانعة » منها أو تلك « المتآمرة ».
تفادياً لإحراج كل الأنظمة (الدولي والإقليمي والسوري)، فقد شرعت الجامعة في تطبيق عقوبات اقتصادية !!! بل وبدأت في التهليل لها.
ماذا أنجزت « عملياً » جامعتنا الموقرة؟
من حيث أنها لم تنفض يدها من الأزمة بعد، فقد أوحت للعالم، ممثلاً « بالأمم المتحدة »، بأنها لا تزال تعمل على معالجتها، وبالتالي فليس هناك من حاجة أو حجة لتدخله، وهو أصلاً غير راغب بالتدخل لاعتبارات متعددة يعرفها كل مراقب. تالياً أضحى « العالم » في موقع من أزاحت الجامعة عن كاهله هماً، هو في الأساس غير راغب في التعامل معه، وهو أصلاً من دفعها لتكون واجهته للتخلص من هذا الإحراج الذي أوقعته فيه الثورة السورية.
على المقلب الآخر، النظام يعرف والجامعة أيضاً أن عقوباتها المفروضة عليه لن تؤثر لا من قريب ولا من بعيد على مجرى الأحداث الدموي في سوريا.
إضافة لذلك فهي، أي الجامعة، قد أبقت، بقصد أو بدونه، على الحجة التي ما فتئ النظام يرددها حول « المؤامرة الكونية ».
فوق هذا وذاك، فقد تركت له الباب مفتوحاً « كي يعود إلى رشده » ويوقع على المبادرة، وهذا سيدخلنا أيضاً في مسار أغنية جديدة للشيطان، تبدأ ولا تنتهي.
هذا يعني باختصار أن الجامعة قد ارتضت لنفسها أن تكون حاجزاً بين دول العالم، الغير راغبة أصلاً بالتدخل، وبين النظام الذي يعرف ذلك جيداً لكنه لا يريد الإقرار به لأن إقراراً كهذا سينسف مقولته بأن العالم يتآمر عليه.
الأهم من ذلك أن الجامعة، بتجميد عضويتها للنظام السوري، قد أعفته من الكثير من الالتزامات التي أضحت في السنوات الأخيرة عبئاً عليه، خاصة تلك التي لها علاقة بتجذير تحالفاته القديمة/الجديدة باتجاه الشرق، وقد ظهر هذا جلياً في ردود أفعال الشارع المؤيد وفي المنابر الإعلامية الموالية التي نضحت بآرائهم المستجدة، والتي ربما كانت مكبوتة، في العرب والعروبة.
بذلك تكون جامعتنا العتيدة، ومن خلفها العالم، وبعد أكثر من أربعة أشهر على بدء معالجتها للملف السوري، وبعد أن أعطت المهلة تلو المهلة للنظام، تحت مسميات مختلفة، قد منحته الآن مهلة جديدة، لكنها هذه المرة « مهلة مفتوحة » للاستمرار في القتل، وبهذا تكون قد أرضت جميع الأطراف، التي تراها « مهمة وفاعلة ».
هذا الأمر ينطبق على الحالتين الموصوفتين في قرار الجامعة: إن استمر في عدم التوقيع سندخل في متاهة العقوبات، وإن قبل بالتوقيع، سندخل في متاهة من طراز مختلف، ليس لها من أفق هي الأخرى.
أيتها الجامعة العربية الكريمة: لكم الحق في اتخاذ ما ترونه مناسباً من مواقف وقرارات ولكم الحق في أن تقرروا التغطية على مواقف النظام وعلى المواقف الدولية أيضاً.
ويا أيها المؤيدون الأكارم: لكم الحق أيضاً في الهجوم و »الولولة » على مواقف الجامعة، تلك التي لم تكن في يوم من الأيام ضدكم، لكن أصول اللعب تقتضي منكم هذه « التقية » السياسية.
لكن رجاءً ثم رجاءً من كلا الطرفين: كفاكم لعباً واستهانة بعقول السوريين و….دمائهم.
أظهروا فقط بعض الاحترام، فاللعب أصبح على المكشوف !!!
لم نعد نتوقع احتراماً لعقولنا ودمائنا من أحد سوى من مجلسنا الوطني وتحديداً الدكتور برهان غليون الذي نطالبه، ومن موقع الثقة المطلقة بشخصه وبالمجلس، أن يضع كافة الحقائق أمامنا، مهما كانت مؤلمة أو صادمة، وبغض النظر عن أي اعتبارات سياسية أو تكتيكية، فلم تعد دماؤنا تحتمل ترفاً في التعاطي « البرجماتي ».
نطالبك بكلمةٍ من رجل دولة إلى شعبه في ظرف ليس أقل فداحة مما تعرضت فرنسا له إبان الاحتلال النازي، ونحن واثقون من أنك ستكون معنا « دو غول » سوريا.
كاتب سوري *