ما تريده إسرائيل في سورية – برهوم جرايسي
أكثرت إسرائيل في الأسابيع الأخيرة، من عرض نفسها كـ »طرف مركزي » في الحرب الدائرة في سورية، ووصلت حد إعلانها الاتفاق بينها وبين روسيا على التنسيق العسكري. إلا أن النفي الروسي، اضطر وزير الحرب موشيه يعلون إلى نفي وجود تنسيق كهذا. وإذا عرفنا أهداف إسرائيل الجوهرية في سورية، سنعرف أنها ليست معنية بأي تنسيق عسكري مع أي طرف، فما تريده، هو إبقاء سورية مشتعلة، من دون أفق لإخماد الحريق، شرط إبعاد النار عنها، وأن ينسى العالم كليا وجود منطقة سورية محتلة
فقبل أسبوعين، توجه بنيامين نتنياهو إلى روسيا حيث التقى رئيسها فلاديمير بوتين. وسبقت الزيارة سلسلة من التقارير، مدعية أن هدف الزيارة هو التوصل إلى اتفاق لإقامة طاقم عسكري مشترك من الجانبين للتنسيق بشأن تحرك كل طرف في سورية. ويكفي أن نعي الأهداف الروسية في سورية، لنعرف أن ما تدعيه إسرائيل لا يمت لأرض الواقع بصلة. وقد نفى بوتين وجود طاقم كهذا، بموجب تصريحات أطلقها خلال تواجده في مقر الأمم المتحدة الأسبوع الماضي
تعدد جهات النفي في روسيا، دفعت وزير الحرب الإسرائيلي موشيه يعلون للإعلان، يوم الثلاثاء الماضي، عن عدم وجود تنسيق كهذا، لا بل هاجم روسيا بشكل مبطن، بقوله: إن إسرائيل ليست بحاجة لأي تنسيق « للدفاع عن مصالحها ». وقد سبقت تصريحات يعلون غارات لجيشه في العمق السوري
كما قيل مرارا في السنوات الخمس الأخيرة، فإن مصلحة إسرائيل الأساسية مما جرى ويجري في الدول العربية، هو إبقاء النيران مشتعلة في كل واحدة منها، فهي ترى أن انشغال العالم بما يجري، يحجب النظر عن الصراع الاساس في الشرق الأوسط: القضية الفلسطينية. وقد تعززت هذه المصلحة الإسرائيلية في الأشهر الثلاثة الأخيرة، في أعقاب فلتان « الورقة الإيرانية » من يديها، بتوقيع الاتفاق الدولي مع إيران، حول مشروعها النووي
وعلى هذا الاساس، فإن مصلحة إسرائيل الأولى والأهم في سورية، هي أن يبقى هذا البلد العربي مشتعلا، ولهيب نيرانه عالية، شرط أن تبقى النيران بعيدة عن إسرائيل. وكما قال يعلون في تصريحاته ذاتها: « هناك تطورات جديدة في سورية، مثل التواجد الروسي والإيراني، وحاليا فإن كل هذا بعيد عن إسرائيل، فهو في شمال سورية ». ولن تكون إسرائيل طرفا في القضاء على طرف لصالح طرف آخر، بل هي ترى في هذا « مهمة الآخرين ». وطالما أن لكل طرف ما تزال قوة ولو محدودة، فإن هذا من ناحيتها ضمان لاستمرار الحرب، التي إن هدأت، فإنها قد تكون الورقة الاقليمية الأخيرة التي تفلت من أيدي إسرائيل
وبطبيعة الحال فإنه حينما تكون النيران مشتعلة، وشعب بأكمله يحترق، فإن أحدا لن يكترث بتلك البقعة الأسيرة من الارض السورية، مرتفعات الجولان المحتلة، وهذا أيضا ما تريده إسرائيل، التي لا تتوقف عن فرض الوقائع على الأرض، من خلال توسيع الاستيطان والبنى التحتية وتعزيز البنية الاقتصادية للمستوطنات فيها. وحاليا يستوطن في الجولان ما يقارب 20 ألف مستوطن، وهو أكثر من ثلاثة أضعاف عددهم قبل أكثر من 20 عاما، في ظل المفاوضات الإسرائيلية السورية، القليلة، التي جرت في اعقاب مؤتمر مدريد
وعلى الرغم من أن حكومة الاحتلال لا تستطيع دفق أعداد أكبر من المستوطنين إلى تلك المنطقة المحتلة، التي تعد نائية جدا، وبعيدة كليا عن مركز النشاط الاقتصادي والحياتي لإسرائيل، إلا أنها تنجح في تعزيز اقتصاد تلك المستوطنات، وبالأساس الاقتصاد الزراعي، والتصنيع الغذائي، وصناعة النبيذ، اضافة إلى مرافق للسياحة الداخلية
وعلى الرغم من عدم تسليط الاضواء على تلك المنطقة المحتلة عالميا، إلا أن اقتصاد المستوطنات يشهد مقاطعة، مثله مثل اقتصاد مستوطنات الضفة المحتلة، خاصة في الأوساط الاوروبية، وإسرائيل معنية باقناع العالم بالتنازل عن هذا الموقف، والقبول بالقرار الإسرائيلي بفرض ما يسمى « السيادة الإسرائيلية » على الجولان