محنة رضوان زيادة.. مثالاً! – محمد أبو رمان
قامت قوات الأمن باعتقال شقيق المعارض السوري رضوان زيادة، وبالطبع فالاعتقال يتجاوز كثيراً احتجاز الحرية إلى تعذيب همجي وإهانات وربما القتل، والإذلال الروحي والجسدي
ليست هي المرة الأولى التي تعاني فيها عائلة زيادة، فمحنة هذا المثقف والمفكر الألمعي تمتد إلى السنوات الماضية، حين جاء إلى الأردن من سورية بعد السماح الأمني له بإحضار دواء والده، الذي كنا قد أمّنا له “إعفاءً” من الديوان الملكي، في مستشفى الجامعة الأردني
حينها جاء رضوان مع زوجته، وباتا في منزلنا لليلة واحدة، قبل أن يغادر إلى الولايات المتحدة الأميركية في منحة من إحدى الجامعات المعروفة للبحث العلمي والتدريس، وتوليت أنا إرسال الدواء لوالده المصاب بالسرطان، قبل أن يتوفى رحمه الله
لم تنته محنة رضوان وأسرته بعد هروبه، فقد منعت السلطات السورية عائلته وشقيقاته من مغادرة سورية، وكذلك طاولت المعاناة والإهانات عائلة زوجته، وحاول رضوان رؤية عائلته مرات عدة، إذ يحضر إلى عمان من الولايات المتحدة، لكن السلطات السورية تمنعهم من مغادرة البلاد وتعيدهم من الحدود الأردنية- السورية
توفي والده ولم يستطع أن يراه، وكان أشقاؤه يعانون يومياً في الدوائر الرسمية، لأنّ شقيقهم رضوان فقط معارض للنظام السوري
بالطبع، رضوان مجرد نموذج واحد، وبرغم فظاعة ما حدث، ويحدث لأسرته، إلاّ أنّها لا تعدل شيئاً أمام مآسي عائلات أخرى، ولعل النظام الشيطاني هناك يدرك تماماً أن نقطة ضعف أي معارض أو ناشط هي أسرته، وهو ما حدث تماماً قبل أيام من اعتقال شقيق رضوان، إذ اعتقل أيضاً شقيق المعارض والمفكر السوري المعروف د. برهان غليون، وتم قنص وقتل شقيق المحامي والناشط السوري هيثم المناع
كم هي المآسي الإنسانية وماذا يمكن أن يكتب عنها التاريخ غداً في مجلدات ومجلدات، وما هو السجل المشرف لهذا النظام الفاشي المنحط أخلاقياً وسياسياً
المفكر والكاتب الكبير أكرم البني أمضى عشرين عاماً في السجون، وقد دخلها وابنته تبلغ عامين، وخرج منها وقد تخرجت من الجامعة، ولم تهنأ يوماً بالشعور بالأمن لجوار والدها، فهو لا يكاد يخرج حتى يدخل إلى المعتقلات هو وشقيقه المحامي المعروف أنور البني
هذا فيض من غيض، إذ إنّ المأساة الأكبر هي للمعارضين والناشطين الذين يعيشون ويختبئون في سورية، إذ يتم استدراجهم وجلبهم عبر التنكيل بآبائهم وأمهاتهم وشقيقاتهم وأشقائهم حتى يسلموا أنفسهم، وهم يعلمون أن مصيرهم عذاب من الجحيم والانتقام، لكنه الخيار بين أن يفدي ذويه بروحه أو يقتل مرات عديدة وهو هارب لكنه يعلم أنه السبب في عذاب أسرته
رغم أنّ رضوان زيادة باحث معروف بإنجازاته المعرفية، وقد حصل على جوائز دولية عن مجموعة من الدراسات المهمة التي قدمها في الفكر والفلسفة والسياسة، وهو صاحب الكتاب الوحيد المطول عن المفاوضات السورية- الإسرائيلية، وهو قامة علمية وفكرية، لا ينال منه تهكم صفيق، لكن ذلك كله يوضع في ميزان سيئاته لدى النخبة الحاكمة في دمشق، فهل هنالك في الكون جريمة أكبر من أن تكون معارضاً للنظام السوري؟
الغد – ٣ أيلول ٢٠١١
http://www.alghad.com/index.php/afkar_wamawaqef/article/26773.html