معجزة الجولان السوري – مانيا الخطيب
يوم واحد في السنة فقط هو يوم 17 نيسان عيد الإستقلال في سورية كان يمكننا فيه الذهاب فيه إلى « الشريط » الكائن على مشارف مجدل شمس الجولانية
بدون حاجة إلى الحصول على « تصريح » من عدد عديد من فروع المخابرات السورية ..!! ….ذهبنا في التسعينيات مع مجموعة من العائلات، مثل أفواج لا حصر لها، تذهب مدفوعة بشوق حقيقي ومخلص للجولان الذي لم تر عيني أجمل منه ومن طبيعته الخلابة، وهو ما يجعله – مثلاً – أهم مصدر للمياه العذبة
في الحرب الهيدرولوجية … هذا عدا عن موقعه شديد الخصوصية كهمزة وصل بين أربع دول دفعة واحدة
نظرت إلى يساري حيث كنت أقف يومها على « الشريط » فرأيت أمي وقد عجزت ركبتاها عن الاستمرار بالوقوف فجلست على الأرض تنتحب… قالت لي « فرطت أعصابي » …….. اليوم بعد كل هذه السنوات…. وبعد أن رأيت مشهد العبور، وذلك بعد انطلاق الانتفاضة الشعبية المباركة، عبر الشريط الذي رتبه محتلو دمشق، من آل الأسد وأتباعهم، بخبث شديد ومناورة رخيصة لصرف الأنظار عن أفعالهم التي يندى لها الجبين ولا يحتملها أي ضمير بشري….. مناورة عبور الشريط التي ذهب ضحيتها أبرياء عزّل إلا من حبهم وشجاعتهم القاتلة! ……… أن أعصابي تفرط وأشعر بسوء لا مثيل له من أنه كم نجح نظام الحكم في دمشق في زرع الألغام في رؤوسنا ووجداننا ….وأتخيله كان يقهقه ضاحكاَ، في كل مرة يأتي يوم الجلاء ويتدفق الناس البسطاء، الذين كانت ربما أجرة الطريق إلى هناك تشكل لهم عبئاً….. إلى « الشريط » ويتوقفون عنده…!! لأن « المنطقة مزروعة بالألغام » .. وكانوا في الحالات العادية يدوخون بين فروع المخابرات للحصول على تصريح للذهاب إلى » الشريط » … والتي لولا فروع المخابرات اللعينة هذه….. لهجم أهل سورية كلهم دفعة واحدة ووصلوا إلى مرتفعات الجولان وأعادوه إلى أصحابه الأصليين
……..
يا إلهي كم هو شعور قاس! لا يكف عن مهاجمتي… أنه كيف انطلت علي هذه الحيلة وكيف أنني بكل سذاجة ذهبت وتوقفت أيضاً عند النقطة التي قالوا لنا أن ما بعدها مزروع بالألغام…. !! كيف أقول على الدوام أن نظام الحكم منافق وكاذب وفي نفس الوقت مشيت بكل مطواعية وراء أكاذيبه وتوقفت أيضاً عند ذلك الشريط اللعين….كيف توقفت قدماي هناك؟ كيف لم أتابع طريقي ووقفت هناك؟ كيف؟ كيف؟!! أشعر اليوم بالخزي والإهانة أكثر من أي وقت مضى …. شعور لا يمكن أن أشفى منه إلا عندما يعود الجولان حقاً من الأسر…. … الأسر الذي فرضه عليه بصرامة شديدة حافظ الأسد وأتباعه….. ليجلس بعده على الكرسي، ويستعمل قضية الجولان ، ويتاجر بها وبغيرها من القضايا المصيرية للحفاظ على حكمه
عايشنا الطلاب الذين قدموا من الجولان للدراسة في سورية
ما كان أسهل على البعض منهم أن يخلط ويشبك بين الوطن وبين حكام الوطن و »مؤسساته » المهترئة ! ولهذا كان النظام السوري في سياق المتاجرة بالقضية يعمل على استغلال من يمكن استغلاله …. وكان يقدم لهم تسهيلات إضافية من سهولة التسجيل في الفروع الجامعية بشروط تختلف عن سكان المحافظات الأخرى ويعطيهم غرفاً في المدينة الجامعية بشروط أفضل وأسهل …وكأن المدن الجامعية أماكن صالحة أصلاً للسكن البشري
قال لي أحدهم مرة « بالنسبة لي يكفيني أن أرى علم سورية يرفرف هنا، هذا المنظر أنا محروم منه هناك » ! لم يكن يسيراً توضيح أنه تحت هذا العلم الوطني المرفرف يتستّر من باع الجولان وحرم أهله من رؤية رفرفته ……….. وفي نفس السياق، كنا في السنوات الأخيرة لا نتوقف عن رؤية قصص العرائس التي تعبر من وإلى الجولان على الفضائية السورية الرسمية ….والتركيز على ممارسات « العدو الصهيوني » مع أهلنا في الجولان المحتل …….تلاعب بمشاعر الناس….. وصرف أنظار عن القصة الحقيقية أنهم باعوا الجولان، وأنه لم تكن لديهم يوماً أي خطة من أي نوع لاسترجاعه
كيف يمكن لأم موجوعة من فراق أبنائها، وأبناء مكتوون بلوعة تشبه الإقامة الجبرية أن يبقى لديهم متسع للالتفات إلى ألاعيب النظام وإلى تحالفاته مع محتليهم؟
وهكذا …أتخم الإنسان العادي والمثقف على السواء، بهذا « الموشح » الذي يصدر ليل نهار… عن عصابة أرهقت وأزهقت البلاد والعباد بالمتاجرة والابتزاز
ولهذا فقد تحولت محاولات العمل الحقيقي للتواصل المفيد والمنتج، إلى مهمة شاقة ومضاعفة وهذا ما نقرؤه في مقال للكاتبة ليلى الصفدي… في جريدة بانياس الجولانية « هل يسمع ناشطو سورية نداء رزان زيتونة؟!! » الذي يظهر حد التعب الذي وصل إليه الإنسان السوري
إذاً، عَلِق أهل الجولان بين مطرقة متاجرة النظام السوري وبين سندان الإحتلال الذين بمقدار ما له من أوجاع خطيرة، بمقدار ما تسيطر تفاصيل مغريات رفاهية الحياة التي وفرتها « إسرائيل » لهم والتي لا تقارن بنظيرتها التي « وفرها » نظام الفساد والاستبداد في سورية لأهل سورية
….. وفي خضم هذه المعادلات شديدة التعقيد والصعوبة ، وهذه الأوجاع التي لا تنتهي ……. يعلن وئام عماشة من سجون الإحتلال الإسرائيلي الإضراب عن الطعام احتجاحاً على ممارسات النظام السوري بحق المدنيين العزل في المحافظات السورية في ثورة الحرية والكرامة
ما هذا الحب الأسطوري
ما هذا الجمال الخالص، الجوهري، غير العادي
ما هذا الانتصار الساحق للوعي الوطني الصادق والحقيقي
ما هذه المعجزة الجولانية السورية
التي تخرج من براثن كل من حافظ الأسد وحكمه المتوحش الزائل من جهة…. ومن « إسرائيل » من جهة أخرى
تحية كبيرة… كبيرة.. إلى وئام عماشة وإلى كل من هتف في استقباله من أجل حرية الشعب السوري من الاحتلالين
أعطيتم بهذا لمسة تاريخية في فن الثورة ما كانت ستكتمل متعتنا بالحرية لولاها
5.11.2011