مفارقات لبنانية في سورية! – الياس خوري
اتهم السيد حسن نصرالله في خطاب عيد التحرير الدولة اللبنانية بأنها دولة طائفية، وهذا كلام صحيح، ولكن هل الخلاص من الطائفية يفترض بالسيد ان يقود حزبا سياسيا-عسكريا تقتصر عضويته على ابناء الطائفة الشيعية ؟
قال السيد ان الدولة اللبنانية عاجزة، بسبب طائفيتها. لكن الى اين يقودنا تبنيه مع حليفه العوني مشروع ايلي الفرزلي الانتخابي (الذي عُرف باسم القانون الارثوذوكسي)، والذي يقوم بايصال الطائفية الى ذروتها. هل نحارب الطائفية بالطائفية، على طريقة ابي نواس، ‘وداوني بالتي كانت هي الداء’؟
قال السيد ان سقوط سورية وتدميرها سوف يشكل كارثة على القضية الفلسطينية، وهذا صحيح، هل انقاذ سورية مرادف لانقاذ المستبد؟ ولماذا ارسل السيد جنوده للدفاع عن نظام دمّر نصف سورية، ويعدنا بمزيد من التدمير؟
قال السيد ان سورية هي ظهر المقاومة وسندها. حجة النظام البعثي لاحتلال لبنان تجسدت في مقولة ان لبنان هو الخاصرة الرخوة لسورية ، هل يريد السيد اليوم ان يقلب المعادلة، فيقوم لبنان باحتلال سورية، دفاعا عن ظهره؟
قال السيد انه يقاتل اسرائيل في القصير، ولم يسأل نفسه من أوصل اسرائيل الى قلب سورية، التي تعرضت عاصمتها لقصف الطيران الاسرائيلي من دون اي رد ينقذ ماء الوجه من قبل نظام الممانعة او حزب المقاومة!
وعد جماعته بالنصر في القصير وسورية، متناسيا ان الحرب الأهلية هي المصيدة التي تلافى حتى الآن الوقوع فيها، وان السقوط في الحرب الطائفية لا تعني سوى الوقوع في المصيدة الاسرائيلية، واراحة اسرائيل بل جعلها حكما، وتدمير فكرة المقاومة.
والى آخره…
شعرت وانا استمع الى السيد بالألم، وفهمت العلاقة بين الكلمة والجرح، ففي اللحظات التي القى فيها خطابه كان جحيم الصواريخ يتساقط على القصير ويقوم بتهديمها بيتا بيتا. الرجل لم يكن يتكلم جزافا، بل حوّل الكلمة الى جرح نازف، جاعلا من اجساد فقراء سورية قربانا على مذبح المستبد غير الممانع.
كان السيد يسعى الى الخروج من مأزقه عبر الغرق فيه. وهنا تكمن المفارقة اللبنانية الكبرى التي عبّر عنها هذا الخطاب.
فلقد قام حزب الله بتحقيق الانجاز الاكبر الذي لم يسبقه اليه احد، اذ الغى عمليا الحدود اللبنانية السورية. اعلن سقوط الحدود، وكلف نفسه وحزبه اللبناني مهمة انقاذ سورية من نفسها! واذا رست الأمور على هذه الحال، فمن سيمنع غدا الجيش السوري الحر من اجتياح مناطق في لينان، بحجة حماية سورية من اخطار تهددها. هل سيرفع السيد عندها شعار الوطنية اللبنانية التي انهاها في ريف دمشق ودفنها في القصير؟
قرأت في الخطاب ملامح المأزق الكبير الذي دخل اليه لبنان من الباب السوري ودخلت فيه سورية من الباب اللبناني. صحيح ان الباب اللبناني ليس لبنانيا، لأنه منذ لحظة اندلاع الحرب اللبنانية عام 75 تخلّعت ابواب لبنان التي كانت هشة منذ تأسيس الكيان على اسس طائفية. الباب اللبناني اتخذ اسماء عديدة، فكان اسرائيليا مرة، وسوريا مرة ثانية، والى آخره. هذه المرة كسر السيد نصرالله الباب تحت المظلة الايرانية، واوصل الخطاب الطائفي للنظام السوري الاستبدادي الى ذروته، وذهب الى القصير لتدميرها بصواريخ المقاومة، محطما آخر ما تبقى من قدسية الصراع مع الاحتلال الاسرائيلي.
حزب الله في مأزق، او بعبارة ادق في المصيدة. والمصيدة ليست من صنع الآخرين فقط، بل هي من صنع يديه، فلقد تورط في معركة انقاذ نظام لا يمكن انقاذه.
ضعف الدولة اللبنانية بسبب الطائفية كانت سببا في فائض القوة التي يتمتع بها حزب الله في لبنان. هذا الفائض الناجم عن استثمار البنية الطائفية الى حدودها القصوى، خلخل معنى الرأسمال الرمزي الذي صنعته المقاومة ضد الاحتلال، لتصبح هذه المقاومة في نهاية المطاف اداة قهر للشعب السوري في انتفاضته من اجل حريته.
حرية السوريين صارت في العرف الطائفي اللبناني تهديدا للمقاومة؟
ما هذه المفارقة المرعبة التي وضع فيها حزب الله نفسه؟
منذ انطلاق الثورة، اي قبل العسكرة الوحشية التي فرضها القمع الفالت من عقاله، كان نصرالله في خندق النظام. واليوم يجد نفسه مضطرا للدفاع عن نظام يتهاوى، وبدل ان توجه الصواريخ الى اسرائيل توجه الى القصير وريف حمص وريف دمشق!
انه الأفول.
يجب ان يؤخذ كلام نصرالله بجدية، فالرجل قرر ان يقاتل في سورية، وهو قادر ومصمم على ذلك، وسيقذف بالوف المقاتلين الى القصير والجبهات السورية المختلفة، لكن من قال له ان اللعبة ستقف عند هذا الحد.
دعا اللبنانيين المعارضين لموقفه الى قتاله في سورية وليس في لبنان؟
وفي هذا ما يثير العجب، فالرجل يستدرج لبنان الى الفتنة والحرب. من قال له ان الاصوليين اللبنانيين الذين تشبه تنظيماتهم حزبه في بنيتها العقائدية سيكتفون بملاقاته في سورية؟ ومن قال له ان السوريين سيتفرجون على بلادهم وقد غدت ساحة لاقتتال اللبنانيين؟
والألم ان حزب الله الذي يحفظ له اللبنانيون والعرب ذاكرة مقاومته للاحتلال قد سقط في الفخ، وقرر ان يمحو ذاكرة المقاومة بذاكرة الحرب الاهلية الطائفية.