ملف المعتقلين في سورية – مانيا الخطيب
ملف المعتقلين في سورية
منذ بداية الثورة في سورية، أخذ ملف المعتقلين السوريين خصوصية شديدة، حيث أنه العامود الفقري للسياسة الممنهجة التي اتبعها النظام المتمرس في التنكيل بأهل سورية.سياسة الاعتقال في النظام السوري ربما تكون الوحيدة التي مرت على الإنسانية بأذرعها المخابراتية الممتدة والمتغلغلة، من الداخل السوري إلى الجاليات المنتشرة حول العالم، والعكس بالعكس، حيث أن المعاقبة الطويلة والممتدة لعقود لأهل وأقارب صاحب الموقف أو « الجريمة الفكرية »، ربما تكون حصلت في مكان ما في العالم غير سورية، لكنه لم يتسن لي الاطلاع عليها. وتداخل ملف المعتقلين في الثورة مع ملف المفقودين، في متاهة، أدخلت معظم أهل سورية الذي يكاد لا يخل بيت فيها لم يتعرض إلى فجيعة. وكانت نصال الأخبار القاتلة التي تصل عمن فقد حياته تحت التعذيب تدخلنا في غيبوبة من الألم والصدمة والرضوض النفسية التي لا علاج منظور لها.
هذا التكتيك الأساسي في قمع الثورة، يفسر برأيي المتواضع، عدم التطرق إلى هذا الملف في صفقة وقف إطلاق النار الأخيرة في سورية.كيف يمكن لفتح مثل هذا الملف شديد التعقيد أن يحافظ على ما أنجزته قطعان الوحوش بنهش لحوم السوريين؟في المقابل تعرض هذا الملف على أيدي أولياء الدم أنفسهم، إلى عشوائية وارتجال في العمل، ولم يكن هنالك أي منهجية في وضع هذا الملف الأشد أهمية، في الواجهة وعلى السطح دوماً، أهميته ليس فقط على الصعيد الانساني وإنما على صعيد مستقبل البلد بشكل عام.أذكر في أثناء أحد اجتماعات جنيف أن بعض « السياسيين » السوريين من أهل الثورة، كانوا يضعون منشورات على الفيس بوك ليجمعوا اسماء معتقلين، من أجل أن « يتفاوضوا » على اطلاقهم ! وأنه عندما كنا بعض الأحيان نحاول المساعدة في حملات اطلاق المعتقلين، لم يكن العمل احترافياً، ولم يخرج في كثير من الأحيان عن التذمر، والتظلم، والبكاء، واللطم.حتى في ملف المعذبين حتى الموت، والصور التي انتشرت قبيل مؤتمر جنيف الثاني، فيما عرف بــ « القيصر »، لم تأخذ لا قبل ولا أثناء ولا بعد، حقها من العمل الاحترافي الذي من المؤكد أنه سيجدي نفعاً مهما كانت المجالس الأممية مشلولة، لأن أهل القضية هم أدرى الناس وأكثرهم قدرة على رفعها دوماً إلى المقدمة، والعمل عليها بأقصى جهد يليق بحجم المأساة.
الكلام عن « آلاف المعتقلين »، يبقى أرقام في الهواء، ليس لها قوة قانونية، ولا تساهم في أي انجاز عملي ما لم يقترن بعمل ممنهج، دؤوب، يستعين بلا كلل ولا ملل بخبرات المنظمات الدولية المتخصصة، حتى لو كان العمل معهم بيروقراطياً ومأساتنا لا تحتمل البيروقراطية لأننا نعيش حالة طوارئ، ولكن يجب أن نتعامل مع المعطيات الموجودة والمتاحة بلا توقف. لا بد وأن هنالك الكثير من المحامين والقانونيين السوريين المخلصين، ومنهم من أسس جمعيات ومنظمات وهيئات ربما، لكنه حتى هذه اللحظة لم نر أي نتائج ملموسة تليق بحجم مأساة المعتقلين السوريين الأكثر تعقيداً جميع القوى السورية اليوم سياسية، عسكرية، قانونية، انسانية، إعلامية، مدنية، وكل من يمكنه فعل شيء أن يسعى بكل الامكانيات إلى وضع جهده في أجل تفكيك هذا الصندوق الأسود.
مانيا الخطيب
هلسنكي31.12.2016