من الأقبية على طريق الحرية – قصة معتقل

Article  •  Publié sur Souria Houria le 24 novembre 2011

بدأت قصتي بعد ملاحقة دامت شهرين متواصلين، و أنا أتهرب من الاعتقال بتهمة التظاهر الغير مرخص والتحريض على نظام بشار بالأسد والهتاف من أجل الحرية…

بدأت قصتي بذلك اليوم الذي تمكنت به قوات عصابات الأسد من نصب كمين، الساعة الثانية عشرة ظهراً و خطفي من مكان عملي، ليتم نقلي في إحدى سيارتين قدمتا لاعتقالي من طراز باجيرو ميتسوبيشي ووضعوا كيسا في رأسي وكبلوا يدي إلى الخلف ووضعوني في المقعد الخلفي وانهالوا علي بالضرب والشتائم قبل أي سؤال لمدة 10 كيلو متر…
عند وصولي إلى المفرزة أنزلوني من السيارة وانهالوا علي بالضرب مسافة 25 مترا… اسقط وأنهض… أسقط وأنهض… كانوا 8 أشخاص…

وصلت إلى داخل المكتب فاتصل المساعد برئيس المفرزة وأخبره بجلب معتقل…
وكان نص المكالمة:
“احترامي سيدي… آه آيوا… سيدي لقطنا واحد من…..
قلو اي قرد عملوا إضبارتو ووديه عالفرع…
قلو سيدي اعتقلنا أبو محمود…
قلو إي أبو محمود خمس دقايق وبكون عندك”

أشعروني أني متآمر على الوطن ومتخاذل بالدفاع عن حقوقه وخائن للقضية وبأني صيد ثمين وقع في أيديهم…
ألقوني على الأرض عندما وصل هذا الحيوان رئيس المفرزة وانهالوا علي بالضرب والأسئلة من يخبرك بتوقيت المظاهرات؟ لماذا تحرض الناس على التظاهر؟ ماهي الهتافات التي تهتف بها؟ ولماذا؟ولماذا؟ وكثرت الأسئلة…… من هذا ومن ذاك…….. وكانت الأسئلة مع الضرب المبرح والشتائم البذيئة !

فاعترفت بهذا الجرم العظيم والمخل بنظرهم لكل الآداب التي لا يحملون شيئا منها…
وجرمي هو: “التظاهر السلمي ضد هذه العصابة” كلبشوني بأحد الأسرة العسكرية بعد انتهاء ما يدعونه التحقيق…
وكانت عيناي مغطيتان برباطة وفوقها كيس خيش…
وانا أفكر إلى أين سيذهبوا بي… بعد ساعة ونصف الساعة، أخرجوني إلى السيارة نفسها مع نفس الأشخاص وبمقدمتهم المساعد… ولم يخل الطريق من الضرب والشتائم… وصلت إلى المكان الذي يقصدونه وعلمت أنني في مدينة، لكثرة الزحام وإشارات المرور وأبواق السيارات، لم أكن متأكدا هل ذهبوا بي إلى حمص… أم دمشق…
أدخلوني إلى مكتب لتسجيل معلومات عني وأنا لا أحمل هويتي بسبب الخطف العشوائي… وقام أحدهم بركلي بين قدمي… وقد غشي من الضحك… بعد أن سلمتني الدورية لهذا المكتب فودعوني ببعض اللكمات والشتائم واستقبلني المكتب بالشيء نفسه…
وتهمتي التي أرقتهم هي أنني طالب في مدرسة الحرية، وأنني اريد أن أخلص بلادنا الجميلة من هيمنة عقولهم المريضة التي سكنتها الخفافيش..
سجلوا المعلومات ثم أتى شخص فأمسكني بكتفي وأخرجني إلى خارج هذا المكتب إلى باحة… ثم أركبوني بسيارة من طراز BMW أنا ومعتقل آخر، ثم جابت السيارة في المكان 5 دقائق، ووقفت السيارة ونزلت منها…
وسلمني إلى مساعد يدعى أبو حطب… أدخلوني إلى مكتب وهو يتوعدني ويهددني… خلعوا جميع ثيابي ثم ألبسوني الشورط فقط و أنا موثق اليدين إلى الخلف ومغطى العينين(مطمش) ثم انهالوا علي بالضرب بالكبل الرباعي الذي بدأ يمزق جسدي وما كنت أقول سوى… يا رب… ياالله…
وكانت هذه الكلمة تغيظهم جدا فيزداد الضرب ويشتد الألم… ويعلو صراخي بكلمة ياالله…
ثم أغمي علي جراء الضرب المبرح… فرشوا علي الماء… أيقظوني… وانهالوا علي مجددا بالضرب، ثم أجبروني على أن أمسك بوطي بفمي… وفكوا القيود عن يدي، وأجبروني على حمل ثيابي ثم سمعت صوت باب زنزانة يفتح… ثم نزعوا التطميش عن عيني وركلوني إلى الداخل… ثم نظرت فرأيت المئات من المعتقلين في زنزانة مكشوفة السقف، مغطاة بأسلاك حديدية، ويوجد حرسين مسلحين “فوق الأسلاك” … والزنزانة مفتوحة على زنزانة مغلقة السقف… تقدر مساحة الزنزانتين بثلاثين متراً…
سألت بعض المعتقلين أين أنا فقالوا لي انت في المزة في قسم الدراسات “فرع المخابرات الجوية”… وأن هذا المكان لا يدخل إليه سوى المطلوبين…
من شدة الضرب الذي تعرضت له لم استطع أن آكل بعض البطاطا المسلوقة “كنا في شهر رمضان” ففطرت على الماء فقط… كنت منهكا ومتعبا وأعاني من آلام حادة جراء الضرب فاستلقيت على ظهري ورحت في نوم عميق……..

استيقظت في منتصف الليل… وإذ ينام فوقي خمسة أشخاص رأس أحدهم على صدري، وقدم الآخر في وجهي، وبطن الآخر على قدمي، وركبة الآخر في خاصرتي… من شدة الازدحام لم أسمع سوى صوت “انتبه” وهذا يعني بأن السجان سيفتح الباب فيجب علينا أن نقف، وننحصر جميعنا في الزاوية، ووجوهنا إلى الحائط، وإذ بوجبة السحور فلم أستطع الأكل… شربت المياه فقط ونويت الصيام بعد بضع ساعات فتح الباب وصاحوا باسمي، فاستدرت واتجهت باتجاه الباب، فشتمني لأنني أنظر في وجهه… صرخ في وجهي: انظر في الارض..  ولم أستجب لذلك… فانهال علي بالضرب…
أغلق عيني وكبل يدي إلى الوراء وأخرجني من الزنزانة إلى ساحة في الهواء الطلق… ورشقني أحدهم بالماء فقد كانوا ثلاثة! ثم انهالوا علي مجددا بالكبل الرباعي على قدمي…
يشتمني الذي يضربني ويقول : بدك حرية؟ أتريد أمريكا أن تاتي لتغتصب نساءنا؟ هذه هي الحرية التي تريدونها؟
فمن شدة الضرب أغمي علي فأيقظوني بالماء… وواصلوا الضرب ولم أنطق سوى كلمة يا رب… يالله… بصوت عال أغاظهم جدا… ففتح فمي ووضع قدمه في فمي… ثم أجبروني على الوقوف فلم أستطع فحملوني من أطرافي… وفتحوا باب الزنزانة وأردوني إلى الداخل…

نظرت في وجوه السجناء فرأيت الدموع بأعينهم… لأن من يسمع صوت التعذيب أصعب ممن يتعذب… بعد ساعة تقريبا فتح الباب صرخوا باسمي كبلوني مجددا، واغلقوا عيني عادوا وانهالوا علي بالضرب… فكسر أنفي وبدأت الدماء تسيل بغزارة… اقتادوني إلى باص عنصر من أمامي وآخر من ورائي… قال لي: اصعد والآخر ركلني إلى الأسفل… فعاد الذي من ورائي وركلني إلى الأعلى وهو يصرخ فيّ اصعد والاخر يركلني إلى الأسفل وهكذا……… أخيرا صعدت الى الباص مسكني من شعري وأجلسني على المقعد وبدؤوا يجلبون المعتقلين الآخرين…
امتلأ الباص… وامتلات أرض الباص… بقينا جالسين مدة ساعة… والجو حار جدا… ثم انطلق بنا وأخذ من الوقت 10 دقائق …. توقف…. أنزلونا من الباص بالركل كالعادة ووضعونا في باحة بجوار مكتب كنت أرى قدمي فقط من أسفل الطميشة…
أجبرونا على الجلوس جاثيا ووجوهنا الى الحائط… وكلما أتى عنصر منهم يركلنا ويضربنا ومضى الوقت ومضى الوقت… ومضى الوقت… ومضى……..
فكان أحدنا من التعب ينهار، ويسقط فينهالون عليه بالضرب… ممنوع أن تتحرك أي حركة… اكتافنا كادت ان تتمزق من شدة التكبيل إلى الخلف… بالكبالة البلاستيك ومكانها يحز في اللحم.. ويصل حتى العظام … وبقينا هكذا حتى الثانية ليلا تقريبا… دون ماء فأصبحت بعض حالات الإغماء بيننا… وكانوا طبعا يوقظونهم بالماء أو الركل… ثم بدؤوا يصرخون أسماءنا واحدا تلو الاخر ويبصمونا على أوراق لا نعرف ما فيها… بصمت على خمس أوراق تقريبا… ثم صرخوا باسمي… أنا وبعضهم وصل عددنا للخمسة… اقتادونا فصعدنا درجا… قرع الجرس… فتح الباب ودخلنا الى مدخل ضيق ثم نزلنا أربع درجات وإذا بأرض ملطخة بالدماء وجدران ملطخة بالدماء “بعد ان فكوا الوثاق عن أعيننا وأيدينا” أمرونا أن ندير وجوهنا إلى الحائط ثم أمرونا بخلع ثيابنا كاملة فتشونا ثم لبسنا الشورتات فقط ثم انهالوا علينا بالضرب من دون سبب…
طبعا التهمة هي: “الحرية” مع الشتائم ! ثم أعطونا ثيابنا لنلبسها وبعد ذلك أعطو كلا منا قطعة كرتون مكتوب عليها رقم… صوروا وجوهنا مع الرقم… ثم اقتادوني الى مكتب اخذوا فيه اسمي ثم وضعوا الطميشة على عيني واقتادوني فتح باب زنزانة وفك الوثاق عن عيني وركلت الى الداخل…
واذا بـ 12 معتقلا أنا 13 بزنزانة طولها 2 متر وعرضعا 170 سم…
نظرت إلى وجوههم وإذا هم باسوئ حالة مني اقدامهم مورمة ظهورهم ممزقة ووجوههم ملطخة بالدماء ارتحت قليلا بوجود هؤلاء الأشخاص معي…
الزنزانة مكونة من بلاط وجدران وباب وضوء… فقط…….
تبادلنا الحديث فكان أحدهم له تجربة سابقة… وقال لنا أنهم سيستدعوننا واحدا تلو الاخر إلى التحقيق… فكان لهذا التحقيق رهبة شديدة في نفوسنا مع سماعنا اصوات التعذيب بعد قليل من الوقت فتحت الطاقة التي في الباب وأخبرنا أحدهم أن التعليمات هي عندما تفتح الطاقة نقف جميعا ونستدير إلى الحائط وقال ايضا ممنوع النظر في وجه السجان والنظر دائما في الأرض “طريقة ن الإذلال وكسر الروح المعنوية”…
بعد قليل فتح الباب ادخلوا لنا الطعام “مربى وجبنة” ولكن الطعام خرج مثلما دخل دون أن يمس فلم نشرب إلا الماء ثم أتى السجان بعد قليل… وقال أن الخروج إلى الحمام مرتان في اليوم ومدة البقاء في الحمام كل مرة هي 30 ثانية فقط ومن يتاخر يعاقب، وعندما ندخل إلى الحمام يجبرنا السجان على خلع الثياب وعلى ان نبقى بالشورتات…
كنا نريد النوم فقط لشدة التعذيب الذي تعرضنا له ولم نستطع النوم جميعا لضيق المكان فوقف ثمانية أشخاص لينام خمسة وهم مرتاحون وبدانا بالتناوب… فتحت الطاقة في التاسعة صباحا واذا يطلبون احدنا للتحقيق اخذوه وعادوا به بعد الفطور… كنا نقدر الوقت من وجبتي السحور والفطور… اجتمعنا عليه لنسأله عما جرى معه لنعلم شيئا عن مصيرنا المجهول…فروى لنا كيف عذبوه…

فتح الباب صرخوا باسمي التفت الى السجان فركلني لأنني لم أنزل نظري… وأنا استمريت بالنظر في عينيه وكان هذا يغيظه جدا وثق عيني وكبلني وخرج بي إلى خارج هذا المركز مشيا على الأقدام… واقتادني الى غرفة واذا بلمحقق يسألني: ما اسمك؟ وكم عمرك؟
قال لي: لن نضربك اذا تكلمت… فقلت: وماذا تريدني أن أتكلم؟ قال كل شيء…  يريدني أن أعطيه أسماء متظاهرين…
فلم أستجب لذلك فصاح لـ”أبو غضب” أتى أبوغضب وبدا بالضرب… فكان الجواب المعتاد مني يا رب… يا الله… بعد نصف ساعة من ذلك أعادوني الى الزنزانة دون ان أعترف…

في اليوم التالي اخرجوني “الممر نفسه والكلبشة والطميشة كذلك” ولكن هذه المرة الى الشبح واقفا على رؤوس ومكبلا بيدي وبقيت هكذا لم استطع النوم وعطشت جدا فصرت اطلب الماء فسألني: أنت صائم؟ قلت: بلى… قال: لمن تصوم قلت لله… قال: خلي الله يسقيك مي…

بعد مرور أكثر من 24 ساعة على وقوفي مشبوحا كنت أعرف الوقت لأنني في ساحة والشمس تضرب بجسمي طول النهار في عز الصيف… فأتى أحدهم “مشبوح من الصبح للصبح”
وقال لي: أتريد ماء قلت: نعم… قال: الله يلعنهن ما عم يسقوك، افتح فمك يا بني…  ”أنا مطمش العينين” ووضع ملحا في فمي وهددني اذا بصقت الملح ! فبصقته في وجهه ! فذهب وأتى بسطل ماء رشقه علي وبدأ يضربني تحت الشمس الحارقة…  ثم فكوا لي قيدي واتجهوا بي الى غرفة التحقيق… ونفس السيمفونية…………. من يحرض؟ من ينسق؟ من يمول؟ نريد أسماء… اتريد مزيدا من التعذيب؟!

اعترفت بجرمي… وهو الهتاف في المظاهرات… فطلب مني نوعية الهتاف والعبارات التي كنت اهتف بها… فأجبت: حرية… سلمية… الشعب السوري واحد…  فليسقط النظام… وهكذا…
فأمر المحقق السجان بإعادتي إلى الزنزانة وهو يقتادني الى زنزانتي شتمني… فلم احتمل ذلك وضاقت الدنيا في عيني وشتمته فانهال علي بالضرب ولكن جسدي تخدر من الضرب والوقوف ولم أعد أشعر بالألم
أعادني الى زنزانتي… وبقينا هكذا مدة سبعة أيام حقق معي المحقق خلالها سبع مرات ثم بعد ذلك تعرفت على السجناء في زنزانتي وكلهم من المثقفين والمهندسين والأطباء وكل تهمهم هي تظاهر أو تشييع… بعد مرور 13 يوما على اعتقالي صرخوا باسمي واذ بهم يقتادونني الى مكان أبعد مشيا… كنت مطمش العينين وأرى من اسفل الطميشة دخلنا إلى مكتب فخم وإذا بالرجل الجالس خلف المكتب يقدم لي عرضا بالتخابر والتعامل معهم مقابل اطلالق صراحي ومغريات اخرى هي المال كما عرض علي ان يعرفني على بنات الهوى!!!
وقال أنه سيمنحني بطاقة أمنية لا يستطيع أي فرع توقيفي بموجبها…
منحني وقتا لأفكر أعادوني للزنزانة… وفي اليوم التالي أعادوني الى المكتب… فقال لي: أكيد موافق… قلت: بل أرفض… فغضب جداً… قلي شو بدك أكثر من هيك؟ مين إنت لحتى ترفض التعامل معنا؟ فقال للسجان: خذه لـ “تحت”…

فأخرجوني… مشيت… نزلت بعض الدرجات… فتح باب دخلنا ثم أغلق وضعوني في الدولاب ودولبوني… ثم أخذوني إلى زنزانتي بعد ساعة تقريبا عادوا… واقتادوني إلى غرفة خلعوا عن عيني واذ بها غرفة مليئة بالدماء الطازجة والأسنان والاظافر والشعر والجدران ملطخة بالدماء والسلاسل في الارض… كبلوني في الجدار كالصلب وخرجوا وتركوني في هذه الغرفة لمدة ساعتين ثم دخل احدهم وقال لي: أترى ذلك؟ هذا مصير من لا يتعاون معنا انهال علي بالضرب ثم فك قيدي وأعادني للزنزانة… كان منظري رهيبا لشدة ما ضربوني حتى أن زملائي في الزنزانة لم يصدقوا أن تهمتي هي التظاهر فقط… كان معنا شيخ جامع حمصياً رويت له القصة فشجعني على الثبات على موقفي لأن الضباط هددني انني اذا خرجت ولم أتعاون معه فسيحضر كل عائلتي الى المعتقل….
كما ان الشيخ علمني دعاء طويلا أقوله عندما يعذبوني…

وبعد مرور ساعتين، أخذوني الى المكتب الفخم واذا بالضابط يسالني هل تريد التعاون معنا… فقلت: لا … فجن جنونه وألقاني على الأرض ودعس بقدمه النتنة على وجهي… وقال لأحدهم: اكتب له اضعاف الروح القومية ووهن نفسية الشعب واخلال الامن القومي…
ثم طلب مني الوقوف وركلني الى خارج المكتب وودعني بقوله “والله لتختخ بالحبوس” أعادوني إلى زنزانتي واذ باثنين قد خرجا فبقينا احد عشر… كنا نسمع أصوات التعذيب وصراخا وتالما وتاوها واذكر ان احد المعتقلين لشدة ما عذبوه كنا نسمعه يقول الله ربي وربكم ورب بشار يا كلاب… ويهتف ضد النظام…علمت لاحقا أنه من دوما وأنه لشدة ما عذبوه أوشك على أن يفارق الحياة فأسعفوه الى المشفى ولا أظن انه بقي حيا… واذكر أن أحد المعتقلين عندما سألوه عن اسمه فقال من درعا… قال له “لا تقول من درعا ولاه، قول من اسرائيل”
وإذا بهم يأتون باثنين غيرهما…أحدهما يدعى بسام مصطفى من الحولة(عرفت لاحقا انهم ضبطوا معه سلاحا)…
وهو ممزق الجسد من التعذيب… بعد قليل أتى السجان… فتح البوابة… أمره بخلع ثيابه كاملة ووضع عصا في ببيدون الماء بشكل خازوق وأمره أن يجلس عليه ووضع العصا في فتحته الشرجية فرفض… فانهال عليه بالضرب وأجبره على ذلك… فصعقنا وتألمنا وإذا بالشيخ  يقف ويلتفت الى السجان… يشد بسام الى الداخل ويقول للسجان “شو نحن بغوانتانامو ولا باسرائيل ” وأغلق الشيخ باب الزنزانة…
تالمنا جميعا وكانت حالتنا النفسية يرثى لها ولكن يصبرنا قناعتنا باننا خرجنا من اجل الحق واعلاء كلمة الله ونصرة للمظلومين…

في وقفة العيد، وإذ بنا نسمع صراخ فتاة صغيرة “عمرها بين الثالثة والرابعة”… يأتي من زنزانة قريبة وأمها معها فتألمنا كثيرا وكانوا يشتمونها باشد الشتائم قبحا… كانت في الزنزانة التي تقابلنا… فسألها أحد الشباب: لماذا أتوا بك إلى هنا؟  فقالت له: لأن زوجي مراسل للقنوات الاخبارية وهي من “درعا”…
بعد فترة من الوقت كانت حوالي الساعة العاشرة مساء واذ بأحد السجانين يبدأ بشتمها لأن الفتاة الصغيرة تريد الماء واذ بأحد المعتقلين يصيح: تكبير …
من زنزانة أخرى…واذ بكل المعتقلين في كل الزنزانات يكبرون بصوت عال جدا وبدا الهتاف ضد بشار الاسد والظلم… فجن السجانون وبدؤوا يخبطون على الأبواب بالعصي ويصرخون… ولكن صوت الحق كان أعلى فاستنفروا وأتوا بمكافحة الشغب… وبعد نصف ساعة من الهتاف انقطع الصوت وبدؤوا بنا يخرجون كل زنزانة لوحدها ينهالون علينا ضربا ثم يعيدونا ونبقى في وضعية الوقوف حتى الصباح وكان صباح العيد بعيدية منهم… لكل شخص 10 خيزرانات على قدميه “علمنا انه العيد من احد السجانين الشرفاء الذي كان طيب المعاملة معنا “……

بعد العيد بأربعة أيام صرخ اسمي “ظب غراضك”…. طمشوا عيني ووضعوني في جنزير مع حوالي خمسة وعشرين معتقلا … ركبونا في باص ومضى الباص بنا… كان الوقت منتصف الليل تقريبا
شعرت أنني غادرت المكان ولكن لم أعرف الى أين واذ بصوت “طب طب طب ط”  فعرفت انني على المتحلق الجنوبي وهذه هي الفراغات التي على جسر الزاهرة فوق الميدان…

وصل الباص إلى أحد الأماكن بعد أن قضى حوالي 20 الى 30 دقيقة… أمرونا بالنزول وإذ بنا ننزل إلى تحت الارض درجين لم نكن ندري ما هو مصيرنا فتشونا وانهالوا علينا بالضرب… واذ باحدى بوابات الزنزانات تفتح ونركل الى الداخل واذ برئيس القاووش ياتي الينا… يمنع النوم في النهار ويمنع الكلام منعا باتا وكل مخالفة لذلك يخرج المخالف ليتدولب… قلبت بصري فرأيت ابو علي الذي دخلت انا واياه معا الى فرع التحقيق فقبلنا بعضنا كنت كانني رايت اخي او احدا من اهلي او ربما اكثر…

كانت الحمامات موجودة داخل الجماعية والصلاة ممنوعة… في إحدى الليالي كنت حرسا، كان يعين في كل ليلة ثلاثة من الحراس لتنظيم الدخول إلى الحمام ومنع الكلام، فكنت في إحدى الليالي معينا حرسا……… في منتصف الليل نحن لا نعرف الليل من النهار ولكننا نقدر الوقت من وجبات الطعام…أشرت للحرس الثاني أنني داخل لأصلي وراء جدار الحمام….
كان السجان ينظر الينا خلسة…. وراني وانا اؤشرر لزميلي خرجت بعد ربع ساعة… فصاح لي وسألني ماذا كنت تفعل في الداخل… فأجبته لا شيء… فأخرجني ووضع لي الكبالة والطماشة واخذني الى المطبخ … وقال اتحلف بالله العظيم انك لم تكن تصلي… قلت… كنت أصلي…
فصاح لشخصين احدهما جلس علي والاخر مسك قدمي وانهال هو علي بالضرب ضربني خمسين ضربة على قدمي مع الكفر بالله باشد الكفريات “الكفريات تؤلم اكثر بكثير من الضرب”… بعد أن انتهى من ضربي قال لي الصلاة ممنوعة هنا واعادني للزنزانة…
وصاح للحرسين الاخرين وسألهما ماذا كان يفعل ولما قالا لا شيء… عاقبهما عقوبة أشد من عقوبتي لانهم تسترا علي ……. في هذه الجماعية تعرفت على أشخاص لن أنساهم أبدا…. من علماء ومحامين واطباء من جميع المحافظات كان عددنا تسعين شخصا…

بعد فترة صرخوا باسمي فاقتادوني الى المنفردة طول مترين بعرض متر واحد …… سقفها كارتفاع سقف الحمام مغطى سقفها بشبك حديد وفيه جراذين يطعمونها في كل يوم كان الظلام حالكا كان هناك ضوء واحد لـ 16 منفردة وكان الشبك يحجب الإضاءة لان الاضاءة تاتي من فوق لشبك …. يمنع النوم اثناء النهار واي مخالفة لذلك تلقى عقوبة شديدة ….. كانت المنفردة معدة لثلاثة اشخاص ولكن وضعت فيها لوحدي مدة سبعة ايام وبعدها اتوا باثنين ووضعوهما معي وكان احدهما عالما كبيرا جدا في السن من داريا بعد مرور ستة وستين يوما على اعتقالي واذا بهم يصيحون باسمي وقيدوني بالجنزير واخرجوني الى الباص ومشى بنا الباص لا نعرف الى أين… فعلمنا اننا ذاهبون الى سجن اخر…….. لا نعرف الى أين…كان نقلنا ليلا وصل الباص بنا الى مكان ما تحت الارض وفتح الباب…
بدانا بالنزول ونزلنا مجددا الى درجات تحت الارض وبدؤوا باستقبالنا كالعادة بالشتم والضرب…. فتح باب زنزانة ركلت الى داخلها واذ بظلام دامس ولا يوجد سوى انارة ضعيفة في هذه الزنزانة وكان لا يوجد حمام في هذه الزنزانة فنخرج مرتين باليوم نخرج بالضرب ونعود بالضرب …
وكان يعتقد أنني في مكان يدعى القيمرية كما أخبرنا أحد السجناء الذي أمضى سبع سنوات في هذا المعتقل بتهمتة سياسية ثم صرخ اسمي مجددا بعد اربعة ايام…. قضيتها في هذا المعتقل وقيدوني بالجنزير اللعين نفسه وقادوني الى الباص مجددا انطلق الباص واذ به يعود بنا الى المزة فرع التحقيق الذي كنت فيه في البداية وضعوني في زنزانة لوحدي ثم طلبت للتحقيق سالوني عن بعض الاشخاص المعتقلين حديثا من مدينتي ولكنني قلت اني لا اعرفهم لم يضربوني في التحقيق اعادوني للزنزانة … قضيت فيها يومين ثم صاحوا باسمي عدنا الى الجنزير مجددا… ومن ثم الباص وأعادوني الى الجماعية التي ضربت فيها لأجل الصلاة والتقيت ابا علي مجددا فكانت اسعد لحظة انني التقيت بالشخص الذي اعتقلت معه في نفس اليوم فعانقته بشدة وجلسنا بجانب بعضنا البعض وتبادلنا الأحاديث والمآسي وكلنا أمل باننا سنخرج من هذا المكان المقيت لإن ارادة شعبنا القوية وحبه للحرية وكسر الظلم …… ستنتصر …على القاتل……..

مرت كل هذه الايام بسرعة وكان يبرنا ذكر الله وقراءة القران والدعاء لأمتنا بالنصر… كنا مقتنعين جدا بكل ما فعلناه لم يأتنا ابدا شعور بالندم لاننا معتقلون وهذا لاقتناعنا بقضيتنا التي خرجنا نتظاهر لاجلها كان هذا السجن فرصة لان تزداد خبرتنا في الحياة وان نخرج متظاهرين… متظاهرين… متظاهرين حتى النصر أوالشهادة…

لأننا وضعنا مع طبقة هم خيار رجال هذا الوطن… فصقلنا وتصوبت كل اخطائنا وصنعوا منا قنابل مستعدة للانفجار في اية لحظة ضد الظلم والفساد….. صاح السجان باسم “ابو علي وطلب منه رقم منزله علمت انه سيخرج وفي اليوم التالي صرخ اسمه واطلق سراحه فكانت أصعب ليلة مرت علي ولأول مرة انهالت دموعي وانهمرت… شعرت بظلام السجن وقسوة المعتقل شعرت بالضعف ولكنني فرحت بخروجه الى أهله ودعيت له بالتوفيق ودعيت ان يجمعنا الله خارج هذا المكان البغيض….

رغم كل القسوة والعذاب الذين تعرضنا لهم إلا أننا كنا يدا واحدة رغم العدد الضخم الذي كدسنا به ايضا كنا روحا واحدة وجسما واحدا…
كانوا يريدون أن يفرقوا بيننا بطرقهم البغيضة ولكننا كنا جسدا واحدا من جميع المحافظات والقرى والمدن السورية لان هدفنا كان واحدا…