من المستفيد من ضربة سورية؟ – جمانة غنيمات
للضربة العسكرية الأميركية على سورية، هدف واحد هو حفظ ماء وجه الرئيس الأميركي أمام العالم، بعد أن تجاوز النظام السوري حدود الخطوط الحمر التي أعلنها الرئيس الأميركي اوباما منذ العام 2011.
الهجوم محدود وسريع ولن يطيح بالنظام الدموي الذي قتل أكثر من 100 ألف من السوريين، والهجوم لن يوقف قتل الأبرياء، بل على العكس يتوقع أن تطال الضربة بعضا منهم، فيضافوا إلى ضحايا بشار.
أميركا وبعد تخلي بريطانيا وألمانيا عن الفكرة، لن تتراجع عن الضربة، لتثبت للعالم أنها ما تزال تحمي المستضعفين، وتدافع عن الأبرياء، وفي هذه الفكرة شك كبير، إذ كيف يسكت العام كله عن قتل مئات الآلاف، ذهبوا بالسلاح التقليدي، ولم يحركهم سوى قتل 1300 شخص بالسلاح الكيماوي، فهل من قتلوا بالسلاح التقليدي رخيصون، أم أن موتهم يختلف عن من قتلوا بالسلاح الكيماوي؟
إصرار أميركا على توجيه الضربة « ان حدثت »، يحمل رسائل للمحور الراديكالي من وجهة نظر أميركا، خصوصا إيران وحزب الله أعداء إسرائيل بالدرجة الأولى، كرسالة استباقية تحذرهما من استخدام النووي مستقبلا، مضافا إلى ذلك أنها أسلوب لردع النظام السوري حتى لا يكرر فعلته باستخدام السلاح الكيماوي مجددا.
من المستفيد من الضربة؟ بالتأكيد ليس الشعب السوري، الذي أثبتت الأيام أن العالم كله بما فيه أميركا لا يكترث لدمه الذي يسيل منذ أكثر من عامين.
رغم التصريحات الأميركية المتتالية على مدى العامين السابقين بضرورة رحيل الأسد، لا يبدو أن أميركا تفكر جديا بالإطاحة به، فالرئيس الطبيب ووالده من قبله طالما كانا عصا طيعة بيد الاميركان، ولم يخرجا يوما عن الخط المرسوم لهما، رغم تهديدهما الدائم بالاحتفاظ بحق الرد.
والنتيجة الأهم هي تدمير قدرات سورية العسكرية والبنية التحتية السورية، لدرجة تحتاج بعدها إلى عقود طويلة لإعادة البناء، وإبقاء الصراع مفتوحا، لترى أميركا وحليفتها المدللة إسرائيل جميع أعدائهما مستمرين باقتتال لا ينتهي، يضعف قدراتهم ويستنزفها.
إسرائيل سعيدة بالخطوة ولن تكون شريكا فيها، لكن يكفي أنها ستستمتع بالخلاص من القوة العسكرية للنظام السوري التي استخدمها الأخير للأسف لإبادة وقتل شعبه، وليس في وجه العدو الحقيقي.
الحركات الإرهابية ستستفيد أيضا من الضربة، فإضعاف النظام ينعكس قوة عليها، والدعم العسكري المقدّم لها من داعمي إسقاط النظام السوري مستمر لكن بحدود تكفل التوازن على الأرض وليس الحسم لأي طرف كان.
المتضرر أولا وأخيرا هم السوريون، الذين ستبقى معاناتهم مع نظام استمرأ قتلهم، ولم يعد لديه رادع أخلاقي أو قيمي يجبره على وقف آلة الحرب التي يستخدمها ضد الأبرياء.
إنهاء الأزمة تأخّر كثيرا، والعالم كله متواطئ ضد الشعب السوري، وغير مكترث بدمائه، وكل التناقضات السياسية تقف ضد مصلحة سورية وشعبها، فمصلحة روسيا الحفاظ على بشار، وكذلك أميركا التي لا تجد بديلا أفضل من نظام قدم لها كل ما تريد من خدمات على مدى عقود طويلة.
وكل ما يقال عن أن الضربة عقاب لبشار لإضعافه وحمله على الذهاب إلى جنيف 2 للتفاوض وإنهاء الأزمة غير واقعي، وسنكتشف بعد أشهر أن الفكرة سطحية، فالضربة ستقوي النظام ولن تضعفه، كما تظن أميركا، وستجعله أكثر إصرارا على قتل الأبرياء وهو يعلم أن العالم لن يتحرك، إلا بحدود مصالحه، وليس لتخليص السوريين من عذاباتهم.