هل الشعب السوري للإيجار؟ – مانيا الخطيب
لعلها المهمة الأصعب في هذه اللحظة المأساوية التي نشهد فيها أقسى ما يمكن أن نشهده وهو تهجير أهل حلب من بيوتهم .. أن نقوم بمحاسبة أنفسنا قبل أي أحد آخر. صعوبتها تكمن في أنه لدينا أعداء حقيقيين ومن السهل أن نصب نقمتنا عليهم .. لكن من الأصعب أن نحاسب أنفسنا، لكنها فرصة ذهبية للمراجعة واستخلاص الدروس والعبر والكف عن لوم الآخرين الذي نعرف جيداً أنهم لن يقيموا لنا وزناً ولا قيمة إلا إذا أقمنا نحن لأنفسنا ذلك.أكبر فخ وقعت فيه الثورة السورية في هذه الملحمة الدامية من أجل الحرية هو وقوع من تصدروا تمثيلها في لعبة التجاذبات الإقليمية وأيضاً الدولية ولكن الأخطر هو التجاذبات الإقليمية. والسبب هو أن سر وجود طغمة الحكم في دمشق ناجم بالدرجة الأولى عن تأمينه لعقود طويلة « توازنات » شديدة التعقيد في ملقات كثيرة حيث أن بذرة النظام السوري الحالي التي بدأ تشكلها منذ الستينيات ولعبت بحرفية عالية على تناقضات المنطقة ، وقدمت « خدمات » بالنيابة في كل الصراعات والحروب التي مرت حتى الآن مروراً بحرب لبنان، وحرب العراق، ودورهم في القضية الفلسطينية، وملفات عديدة لا حصر لها في منطقة مضطربة منذ بدء الخليقة. الفخ الخطير أوصلنا إلى أن بيتنا السوري الداخلي يحتوي على مأجورين لا ينتمون إلينا وليس لهم أهدافنا ولا يسعون إلى نفس المسعى في حياة كريمة حرة لأهل سورية يتساوون فيها في الحقوق والواجبات ويمارسون ثقافاتهم وعباداتهم، ونشاطاتهم بما لا يكسر القانون ولا يضر أحداً بحرية وسلاسةالمشكلة الأخطر هو أن لهؤلاء الأجراء غطاء من السوريين أنفسهم الذين تدفعهم ربما الانتهازية وربما الاعتقاد الساذج وربما الغباء الشديد الذي لا علاج له، أنهم يمكن لهم أن يتقمصوا دور النظام السوري في تحوله إلى مكتب لتقديم الخدمات القذرة في المنطقة.. ويمكن لهم أن يأخذوا دوره العسكري المرعب في أن جنوده وتابعيه يخافون منه ومن بطشه أكثر بمليون مرة من خوفهم من أي عدو حقيقي يمس السيادة الوطنية السورية..استأجرت القوى الإقليمية سوريون كثر سياسياً وعسكرياً، وأدخلت البلد في نزاع لا يمت لما تصبو إليه بصلة.حلب الجريحة تبدو وكأنها تنظر إلى أهلها تستنجدهم أن ضعوا خريطة طريق سورية سورية تقول لكل السوريين، لم يعد هناك ما نخسره بعد الفشل تلو الفشل تلو الفشل والسكوت والتستر على من دخلوا عباءة الثورة وعاثوا فيها فساداً لأن أهدافهم لا تنتمي لقضيتنا العادلة في بناء دولة عصرية تليق بشعب الحضارة الذي سيخرج من محنته بدرس قاس أليم يضمن له عدم تكرار الأخطاء القاتلة.قد يبدو اليوم الافق مسدوداً واليأس يتسرب إلى القلوب، لكن الحقيقة الدامغة هي أن السوريين لم يخرجوا بعد من دوامة الأخطاء القاتلة التي ارتكبوها، ولم يبنوا الثقة الكافية للنهوض من هذه الكارثة.إن بث الروح السلبية في هذه الأوقات العصيبة في صفوف السوريين يعتبر خيانة وطنية عظمى لن تغفرها الأجيال القادمة التي لا زال لديها الكثير لتعمله لتضع سورية وأهل سورية على خريطة العالم الحديث.
مانيا الخطيب هلسنكي