هل حقاً « انحرفت » ثورة الكرامة السورية عن « مسارها » وتحولت إلى حرب دينية ؟ – مانيا الخطيب
هل حقاً « انحرفت » ثورة الكرامة السورية عن « مسارها » وتحولت إلى حرب دينية ؟
قبيل المفاوضات المزمع عقدها في القريب في جنيف بين ما يسمى « وفد المعارضة » و « وفد النظام » والتي حتى هذي، قبل بها عدد من القوى الثورية على مضض، عل وعسى أن يجيدوا الدخول في المفخخات السياسية الدولية حتى وإن كان على وقع الصواريخ العابرة للقارات التي تضرب مدنيي سورية على مدار الساعة، وعلى وقع السلاح الأكثر غباءاً وفجائعية -البراميل المتفجرة التي لا تستهدف إلا المدنيين
إذاً، المدنيون أولاً.. والمدنيون ثانياً وثالثاُ وأخيراً هم من يجب سحقهم من وجهة نظر طغمة الحكم في دمشق بأي تكلفة وبأي طريقة كانت
لهذا فالثورة السورية التي تعرضت إلى كل أشكال التنكيل حتى الآن ورغم كل المحن
أجبرت العالم على أن يكون هناك وفد مفاوض – لا يزال حتى اللحظة يتصرف بشكل متماسك – يتحدث باسمها
النقظة الجوهرية هنا، قبل أن نخوض في تفاصيل ما يراد له أن يسمى « انحراف الثورة عن مسارها وتحولها إلى حرب دينية »
لماذا نقرأ على الدوام عن سر إصرار المبعوث الأممي دي ميستورا على إضعاف الوفد المفاوض؟
تارة أنه يريد التدخل في تشكيل الوفد المفاوض عن طريق إدخال أسماء تريدها روسيا؟ ولم نقرأ ولا نصف مرة أنه يريد أن يتدخل في تشكيل وفد النظام المتهالك؟
وتارة أخرى يحاول ضرب السوريين ببعضهم عن طريق منظماتهم المدنية؟ لماذا لم يحاول ضربهم ببعضهم عن طريق مؤسساتهم الدينية مثلاً؟
لماذا يتدخل وزير خارجية الولايات المتحدة شخصياً جون كيري الذي يفترض أنه رأس حربة فيما يسمى « أصدقاء سورية » من أجل الضغط على الوفد المفاوض نيابة عن ثورة الكرامة السورية، مرة بتهديده وتارة بتأجيل المواعيد والمماطلة مع ما يحمل هذا من استهتار بالنزيف السوري؟
أليس هذا فعلاً يختزله رسم كاريكاتوري من كفرنبل من أن وفد ما يسمى النظام يقف وراءه خامنئي وروسيا، والثورة تجلس وحيدة بدون « أصدقاءها »
لو حقاً « تحولت » ثورة الكرامة السورية إلى حرب دينية، مع ما نراه من مظاهر تحت قرقعة السلاح المستمرة منذ خمس سنوات حصدت فيها آلة القتل المجنونة حيوات السوريين وأرزقاهم وأبادتهم، فكيف نطلب منهم وهم يموتون أن يتصرفوا وفق البروتوكول الدولي؟
الثورة السورية أخرجت من الأرشيف كل الجراح الغائرة، من حماة 82 إلى السويداء 2000 إلى القامشلي 2004 إلى غيرها من الأحداث الجسام التي استطاعت الطغمة الحاكمة سحقها والتحايل عليها بخبثها المعتاد سواء محلياً أم دولياً
في ظل هذه التكتيكات الجهنمية التي تصلح لتأسيس أكاديمة تتعلم منها الأبالسة والشياطين، التي تستعملها طغمة الحكم في دمشق، من تجويع، إلى تقطيع أوصال سورية والتعامل مع كل جزء كما يناسبه من التنكيل، مثل محاربة الناس بأرزاقها، إلى أزمة الوقود في عز الصقيع، إلى ضرب المناطق الخارجة عن السيطرة بالطيران الحربي، إلى الاستعانة بميليشات من دول الجوار والإقليم، إلى ماكينتها الاعلامية المحترفة بالتدليس وإثارة البلبلة، إلى ما لا نهاية من الخبرات وأبرزها الدور الذي ضلعت به المخابرات السورية بعد أحداث سبتمبر وبعدها سقوط بغداد، فيما يسمى « الحرب على الإرهاب » ولهذا الباب فقط تكتب مجلدات عن هذه الخبرة التي استخدمت حتى أوصلت « الخليفة البغدادي » إلى الوقوف -بعيد اعلان لجنة تفكيك الترسانة الكيماوية السورية- ليلقي طوق نجاة جديد للطغمة المتهالكة في دمشق
من هنا يمكننا القول، أن ثورة بهذا الحجم، وبهذه المشاركة الواسعة، وبكل ما أوتي العالم من قوة وصبر على تفكيكها، ورغم هجرة أهل سورية التي معظمها سببها، أن أهلها ليسوا من مريدي العنف وأنهم فضلوا ركوب الأمواج على المشاركة في الحرب المجنونة. وأن هناك عدد لا يحصى من القوى المدنية السورية لم تقل كلمتها بعد، لم تسنح لها الظروف، كثير من القوى الثورية السلمية أجبرت قسرياً على الابتعاد عن ميدان الحرب لأنه ليس ميدانها، منهم من وصل حديثاً للشتات ولديه عدة سنوات حتى ينتهي من ترتيب أموره، ومنهم الكثير رغم ضعف أحوالهم إلا أنهم لم يتوقفوا عن المشاركة ولو بالحد الأدنى من جهودهم، هؤلاء نشروا الثورة السورية بترحالهم في كل أصقاع المعمورة وهذا إعلان لتدويلها شعبياً وليس فقط سياسياً
مما لا شك فيه أن أوضاعنا الحالية أكثر من مأساوية ومفجعة، ولكن هذا لا ينسينا أنه علينا في كل وقت أن نذكر أن المستقبل أصبح محسوم بعد توقف آلة القتل المسعورة أن مخاضاً سورية بدأ عسيراً ويستمر عسيراً ولن يتوقف رغم كل ما يعتريه من رعب، حتى يكتمل تكوين الانسان السوري الجديد
مانيا الخطيب – هلسنكي 25.1.2016