هنا الشامُ ترفس في بطنها القدمُ
هنا الشامُ ترفس في بطنها القدمُ
الشاعر التونسي: محمد علي اليوسفي*
أجملُ الغرباءِ يجيئون مِنْ سوريا
أو يظلّون في سوريا، قومَها الأوّلينْ
…كلُّهم رفعوا شُرفتي
*
أجملُ الكُردِ في سوريا
حين تنفخُ روحُ أزادي،
على قصَبِ الجُقْجُقِ المُرْتَوي
أو على جمرةٍ من جنونِ عامودا
*
أجملُ الوقتِ عيدٌ يزيِّنُ برْشينَ أو بابَ تومَا
أجمل القادماتِ السويداءُ حين تحلُّ ببيتي
أجمل الساحراتِ هي اللاذقيّةُ مبلولةَ الشَّعرِ والحاجبيْن
أجمل المستغيثاتِ طَرطوسُ في رعشةِ الميجَنَا والعتابَا؛
فمن أيّما رغبةٍ جبَلَ الله طينةَ حمْصٍ
وضحكةَ حمصٍ
وجارتَها في فطور الصباحِ؛ حماةَ؟
أما زلْتَ تذكرُ تلك العجوزَ، يؤرّقها فارقٌ بين ماعزِ درعَا وتونسَ؟
أيامَك المستظلةَ بالشامِ؛
» لمّا بدأتَ تجاورُ لكْنتها في العشيّاتِ، بين » زملْكَا »، و »جوبرَ
والمشمشُ الغرُّ، من غمزةٍ، يُعلنُ النضجَ بين يديكَ؟
أتذْكرُ كيف تعلّقتَ باسم الفقيرةِ: داريَّا؟
فاستشاطتْ دمشقُ؟
*
أين جسمُ الملاكِ الذي طار من قاسيونَ إلى التلِّ
كي يتبخترَ في الصالحيّةِ بين المرايا؟
فكدتَ تطيرُ بكأسِ عرقْ
غيرَ أنك طمْأنتَهُمْ: لستَ طيراً ولكنه بعضُ ريشٍ نطقْ!
*
أيْـنَــهُ؟
أين وردتُه؟
حين يجدلُ من روحِهِ سوريا كلَّها
ويُدَحْرِجُها فوق نَوْلِ حَكايا:
بلادُ الكمالِ يسيِّرُها النقصُ في كلِّ شيءٍ؛
بلادُ ندَى الياسمينِ تلوِّثُه دكنةٌ في العشَايا
بلادٌ يميِّزها، نهرُها، هارباً
ماؤُها، نارُها، نورُها…
« روحُ غوطَتِها في أزيز الأثاثِ تحشرجُ عند الزوايا
*
كلُّهم سوريا:
الأصيلُ، الذليلُ، الجميلُ، الرذيلُ، القتيلُ وقاتلُه؛
كلُّهمْ يُقبلونَ بندبةِ وشْمٍ على جسدي، أو… بذاكرتي
*
كلُّهمْ سوريا: أستجيرُ بحاضرها فأرى أمسَها سابقاً ما تلاه
كلُّهم سوريا: جرحُ روحي تَبَلْسَمَ من جُرحِها فشفاه
كلُّهم سوريا: بعدَ ذلِّ مساومةٍ في الحدودِ، على واجبٍ وطنيّ، أساكنُها كالحبيب
كلُّهم سوريا: باشتعالاتِ ورْداتِها، وبما في الضواحي يزنّرُها من شقاءٍ؛ وها مثلٌ: (هاهنا الشامُ ترفسُ في بطنها « القَـــدَمُ!
كلُّهم سوريا: لا تكلِّلُها في المواعيدِ إلا المآثرُ والقممُ
…كلُّهم سوريا
كلُّهمْ
… ! مِنْ هنا نزَّ هذا الدمُ
القدم: إحدى ضواحي دمشق الفقيرة؛ سميت بهذا الاسم – وفق معتقد شعبي- نسبة لوجود صخرة في مسجد القدم الكبير عليها أثر يقال إنه لقدم الرسول محمد ( ص)
***
• محمد علي اليوسفي، شاعر تونسي وناقد وراوٍ ومترجم بارع عن الفرنسية، أقام سنوات في دمشق دارساً اللغة العربية-جامعة دمشق وتخرج منها، وجال سوريا عن شغف المغاربة بلاد الشام، والتزامهم قضية بلاد الشام الأولى-فلسطين. تزوج من فلسطينية هي ماري عيلبوني، وعمل وإياها في هيئة تحرير « فلسطين الثورة » محرراً ثقافياً، واختار العودة الى تونس بعد إعلان مبادئ أوسلو.. وتبقى سوريا هي حب ووجع التونسي كما هي حبّ ووجع الفلسطيني.. وحب ووجع العربي التواق للحرية والعدالة.
حسن البطل