وعىّ سياسىّ يعزز الأمل – سلام الكواكبي
حفل النصف الأول من شهر مارس بالنشاط عربيا وإقليميا ودوليا، ارتباطا مع مجريات الحدث السورى. وقام عدد من مبعوثى الدول المؤثرة بجولات مكوكية للتواصل والتفاوض فيما يخص المشهد السورى. وطرحت كثيرا من الأفكار والخطط وأوراق الطريق على طاولة البحث.
ويكاد يخيل للمتابع بأن العزم قد عقد لإنهاء محنة السوريين وإيجاد حل سياسى فعّال بالتوافق مع أصحاب المصالح الإقليميين والدوليين وبإرضاء معرقلى الحسم من خلال تنازلات معينة فى ملفات محددة. وفى التوازى مع هذا النشاط الذى يمكن ان يعتبره البعض إيجابيا، تعاضدت الجهود الدولية والإقليمية لزعزعة ما تبقى من تضامن فى صفوف معارضة سياسية أثبتت الأشهر الماضية قلة نضوج كثير من رموزها فى المجال السياسى وسيطرة كثير من التبعيات الإيديولوجية والآنية والمصلحية والمناطقية والإقليمية على بعضٍ من عناصرها.
وبدأ انحسار أثر التصريحات الصادرة من عواصم القرار والتى دفعت بقيادات معارضة قليلة الحيلة إلى تصديق انحسار التوافق الدولى على الابقاء على المنظومة السياسية والأمنية التى أرضت الاحتياجات المختلفة وساومت على بقائها بحنكة سينيكية. وراهن البعض للمرة الألف على إرادة صادقة حملتها هذه التصريحات للتخلص من عقود الاستبداد ومساعدة السوريين على تلمّس طريق الحرية والكرامة كما عبروا عن ذلك فى انطلاقات مسارهم الثورى السلمى منذ عامين.
•••
ويبدو أن الاحتفالية المأساوية بمرور سنتين على ثورة السوريين، نتيجة توقهم إلى الانعتاق وسعيهم إلى أن يتم الاعتراف بإنسانيتهم وبحقوقهم الأساسية، قد برزت وكأنها فرصة للقيام بتحركات ترافقت مع تعزّز اللجوء إلى استخدام أسلحة تدميرية منها الكيمائى ومنها البالستى. فبرزت مواقف يحمل بعضها فى طياته الجدية للمتعلقين بقشة من الوعود والنفاق لمن يقرأ بين السطور، كما فى تصريحات وزير الخارجية الأمريكى الجديد جون كيرى، والتى توّجها رئيسه أوباما على هامش زيارته إلى تل أبيب. ويحمل بعضها الآخر رغبة مقيّدة فى التقدم قليلا على مسرح الفعل والتوقف عن إغداق الوعود التى ما زالت تسقط على رءوس السوريين كما صدر حديثا عن الرئيس الفرنسى فرنسوا هولاند بخصوص تسليح المعارضة.
أما المعارضة السورية، فبعد أن سعت إلى تنظيم نفسها بما أوتيت من قدرة مادية وعقلية وأنشأت مجلسا وطنيا وائتلافا وطنيا، فهى لم تنجح فى اقناع القوى المؤثرة من جهة والشعب السورى من جهة أخرى. ففيما يتعلق بالقوى الإقليمية والدولية، بدا وأنها لم تبحث من خلال الحثّ على تنظيم المعارضة إلا عن طريقة فاعلة فى التأثير فيها بنسب متفاوتة ليست كلها فى المنحى السلبى. ومن جهة الشعب السورى، فقد وجد نفسه وحيدا من دون قيادة مسئولة حيث لم تنجح فى اقناعه عديد الاجتماعات واللقاءات والتصريحات. وفشل التواصل الفاعل غير الاستعراضى بين قواه الفاعلة وبين من تنطع لتمثيل طموحاته وسعى للحصول على اعتراف وطنى ودولى بأهليته فى هذا المنحى. وعلى الرغم من النيات الطيبة والشخصيات الوطنية ذات البعد الفكرى والعلمى والروحى المتميز، ظلّت الحلقة مفقودة والفاعلية محدودة.
وقد انتقلت المعارضة، بعد الكثير من التخبطات، إلى طرح تشكيل حكومة مؤقتة لإدارة شئون المناطق «المحررة» الأمنية والإغاثية والصحية.. وحصلت هذه المبادرة على المباركة من البعض والتردد من البعض الآخر، وبدا أن الطرفين محقان لصعوبة تبيّن الأمور فى هذا الضباب الكثيف من التفاعلات الدولية والإقليمية، ونفاد صبر المعنيين مباشرة بعيدا عن الصراعات ضيقة الأفق والتجاذبات المختلفة. وقد تم الإعلان أخيرا عن الخوض فى هذه التجربة واختيار شخصية تكنوقراطية للقيام بالمهمة مع الابقاء على الهيئة السياسية المتمثلة بالائتلاف الوطنى على الرغم من سعى مكون هام فيه إلى نقل صلاحياته السياسية إلى هذه الحكومة الجديدة.
•••
على هامش كل هذه التجاذبات والهيئات المستحدثة سعيا لتلبية احتياجات شعب عريق أصابته كارثة انسانية بفعل من لم يؤمن يوما بالانتماء إلى الحضارة الإنسانية وساهم جليّا فى تخريب ما حملته هذه الحضارة إلى الأرض التى حكم عليها بالاستبداد وبالخضوع، صرح معاذ الخطيب، رئيس الائتلاف الوطنى السورى لقوى الثورة والمعارضة بعبارات عتّمت عليها وسائل الإعلام العربية النافذة، حيث أدان من بعد النظام، قوى متطرفة غريبة عن المشهد السورى داعيا من يمولها ومن أتى بها إلى الخروج من حياة السوريين. وعيٌ سياسيٌ من هذا المستوى، يمكن أن يعزّز الأمل.