وهم حماية المستهلك ولقمة الشعب الحمراء – نعيم نصار
يعيش المواطن السوري أياماً صعبة على كل المستويات، ولعل الوضع المعيشي الاقتصادي الضاغط عليه يوماً بعد يوم، يجعله يصرخ من الألم، فالغلاء مستمر بشكل متصاعد، وشمل كل السلع والمواد الغذائية والاستهلاكية، ومفهوم حماية المستهلك الذي انتشر منذ عام 2001 صار من الدعابات السوداء في هذا الزمن الثقيل.
فمن يعيش في دمشق وأثناء مروره في الشارع المؤدي إلى الجمارك بدمشق سيشاهد لوحة معدنية بائسة الشكل، مكتوب عليها ( جمعية حماية المستهلك) مضافاً إليها رقم الهاتف.
حكاية هذه الجمعية
جمعية حماية المستهلك، جمعية أهلية تعمل منذ تأسيسها عام 2001 على تحقيق أهدافها في حماية المستهلك، من خلال لجانها المختلفة، وبالذات في مجالات الإعلام والنشر والمعلوماتية واللجنة الاجتماعية، وتقوم بدراسة الكتب الواردة إليها من الوزارات والمؤسسات الرسمية والتي تدور حول مواضيع تهم المستهلك في معيشته ودخله ونفقاته، لديها 360 متطوع، في مختلف المحافظات، وتقوم برصد جميع الأسواق في القطر من أجل دراستها وإيجاد الحلول لبعض جوانب الخلل فيه، وتتعاون الجمعية مع وزارات الاقتصاد والتربية والاتصالات.
ما تقدم من كلام هو جزء من السيرة الذاتية لهذه الجمعية، التي سعت أو حاولت أن تلعب دوراً أهليا من أجل حماية المستهلك، وأول جردة حساب على عملها بعد كل هذا العمر، يستطيع المواطن المستهلك ذاته أن يقول عن هذه الجمعية, ورغم النوايا الحسنة لمعظم أعضائها، لم تتمكن من فعل شيء حقيقي على صعيد تحديد الأسعار، لأن السياسة الاقتصادية للسلطة السورية سارت بشكل شبه كلي على مبدأ اقتصاد السوق، حيث تحرير الأسعار هو الناظم لمعظم المنتجات والسلع، ماعدا بعض المواد الأساسية التي تتدخل الدولة في تثبيت سعره مثل الخبز.
وبعد آذار/ مارس من العام 2011 ودخول الشعب السوري في ثورة شعبية ضد السلطة الاستبدادية، واستمرارها حتى الآن، بدأت حلقات مسلسل الغلاء في مختلف السلع والمواد الغذائية والاستهلاكية، وزادت أرقام الغلاء مع زيادة أعداد الحواجز العسكرية والأمنية والتي سعت منذ تشكيها لإذلال الناس وتعقيد شؤون حياتهم وأعمالهم، فزادت أجور النقل، وتضاعفت مرات ومرات، حتى أن أجرة نقل شاحنة خضار من دمشق إلى إدلب وصل إلى مبلغ مئة ألف ليرة سورية، وبقي المواطن الثائر والصامت والموالي, بكل تصنيفاه, يدفع من جيوبه فاتورة الحل العسكري الأمني الذي اختاره النظام الاستبدادي، ووصلت أحوال الغلاء إلى أرقام غير مسبوقة، فسعر البصل اليابس وصل إلى 75 ل.س، وجولة واحدة في عدة أسواق في دمشق تعطينا انطباعاً بأن أحوال الناس المادية تسير من سيء إلى أسوأ، حيث نشرت جريدة حكومية شيئاً من واقع الأسعار في دمشق ومنها.. بلغ سعر صحن البيض في سوق شارع الثورة 285 ليرة وسعر كغ الفروج 260 ليرة وسعر مرتديلا هنا حجم وسط بـ215 ليرة وكغ سمنة الأصيل النباتية 290 ليرة ومعكرونة وشعيرية فيوريلا 135 ليرة، أسعار الحبوب وصل سعر كغ البرغل إلى 90 ليرة والعدس الأسود بـ100 ليرة والعدس المجروش 90 ليرة والفول 100 ليرة والحمص 135 ليرة وكلٍّ من الفاصولياء واللوبياء بـ200 ليرة والفاصولياء «كلاوي» بـ350 ليرة والبازلاء بـ150 ليرة، في حين استقر سعر حليب الأطفال نيدو قياس 400 غرام على 225 ليرة و900 غرام بـ525 ليرة وبلغ سعر كغ السكر بـ75 ليرة والرز بين 75-90 وسعر ليتر زيت ليزا بـ175 ليرة وبروتينا بين 150-160 ليرة.
ووصل سعر الخيار والباذنجان 60 ليرة والفليفلة الخضراء 80 ليرة والملفوف الأبيض 25 ليرة والأحمر 45 ليرة ليرة والسلق 30 ليرة وبلغ سعر ربطة النعناع 15 ليرة وكلٍّ من البصل الأخضر والبقدونس 10 ليرات علماً أن واحد كغ منه يباع بـ40 ليرة وكغ الخس بـ45 ليرة وربطة السبانخ بين 5- 7,5 ليرات، أما الفواكه فقد تراوح سعر كغ التفاح بين 50-75 ليرة والبرتقال بين 35- 65 ليرة والبوملي 30ل .س.
وطبعاً إضافة إلى الأسعار السابقة في دمشق، يجب إضافة نسبة من 10 إلى 20% على كل هذه الأسعار وذلك في مختلف مناطق ريف دمشق بسبب أجور النقل والحواجز.
طبعاً أمام هذا الغلاء المتصاعد وقفت جمعية حماية المستهلك موقف المراقب الفاقد القدرة على الفعل. والحال العام يشير إلى غياب تام لما يسمى رقابة تموينية في معظم الأسواق السورية، وصار الناظم الوحيد في عملية البيع والشراء هي أخلاقية البائع، وقدرة الزبون على تكسير السعر، فالشعور الغالب عند الناس، لا رقابة على أي شيء.
حتى أن جمعية حماية المستهلك اكتفت بمحاولة إطلاق حملة وطنية للإعلان عن الأسعار، حيث دعت الجمعية في كتاب وجهته إلى النائب الاقتصادي وزير التجارة الداخلية وحماية المستهلك إلى التحضير لإطلاق حملة وطنية للإعلان عن الأسعار، بمساهمة الجهات المعنية والدعوة لاجتماع تحضره هذه الجهات لوضع آلية التنفيذ في دمشق وريفها، وطلبت تبني الوزارة لهذه الحملة.
بدورنا نتساءل إذا نجحت هذه الحملة بنسبة 100%، ترى ماذا سيتغير الأمر بالنسبة للمواطن السوري الذي يعاني من أقسى مرحلة اقتصادية معيشية عرفها في حياته، هذا المواطن المتروك وحده أمام القتل والخطف الذي تمارسه أجهزة النظام الاستبدادي الذي تفرغ كلياً لمحاولة وأد الثورة الشعبية، التي تطورت أهدافها لتصل أخيراً إلى إسقاط النظام الديكتاتوري.
لقمة الشعب خط أحمر
وزارة الاقتصاد والتجارة الداخلية وحماية المستهلك، تشارك هذه الأيام وترعى فعاليات أهلية حملت عنوان (لقمة الشعب خط أحمر) وإذا كانت هذه الخطوة في بداياتها وانطلقت رسمياً بتاريخ 16-1 -2013 وفي دمشق، في محاولة لتوصيل المواد الغذائية والاستهلاكية بسعرها الشائع لا بالسعر في السوق السوداء، فإن الزمن القادم كفيل بتقويم مدى نجاحها، ويتحدث عن هذه الفعالية السيد (نبيل إبراهيم) ممثل وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك، كما ورد في إحدى المواقع الالكترونية, فيذكر أن عمل المتطوعين ليس محصوراً بالمراكز الرسمية للتوزيع، إنما يشمل مراقبة التوزيع في المراكز والمحطات والأفران، وتنظيم الدور وتخفيف الازدحام، والعمل داخل المركز مع الموظفين سواء لتعبئة ربطات الخبز والبيع على المنافذ، والبيع بجانب المركز بالسعر الرسمي لكسر احتكار المنافسين، إضافة للبيع بسيارات جوالة، في المناطق التي قد لا يوجد فيها مخبز أو مركز توزيع للغاز.
المواطن الذي يدفع الأثمان الغالية أينما اتجه قد يقول معلقاً: كأن حكومة الحلقي ومن يسيّرها من ضباط الاستخبارات السورية، قد أعلنت استسلامها أمام كل حالات التهريب وتجار الأزمة الممارسة في ضوء النهار وعلى عينك يا تاجر، فماذا يمكن أن تفعل أية حكومة أمام (شبيّحة) تتفنن الآن بأعمال السرقة والنهب والمتاجرة في طول البلاد وعرضها، فسيارات الغاز الذاهبة لمناطق ريف دمشق تعترضها هذه الحواجز وتستولي على ما تشاء من كميات، وكذلك تفعل هذه مع كميات المازوت الذاهب إلى ماتبقى من مناطق ريف دمشق.
خلاصة هذا الغلاء
يصل المواطن السوري هذه الأيام إلى نتيجة: أن كل كلام وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك، ليس سوى محاولة لتخفيف الألم، ووهم حماية المستهلك لن يحصل في هذا الزمن الذي تستهتر فيه السلطة الاستبدادية الحاكمة بكل الناس وحيواتهم وحقوقهم، هذه السلطة التي لا يهمهما سوى بقائها واستمرارها، وإذا كان هناك من أمل فإنه سيظهر بعد زوال هذا الطغيان الاستبدادي الذي يمارس طغيانه على السوريين بكل الأشكال ومنها الفلتان العام في الأسعار.
source : http://www.hurrriya.com//news/main.aspx?id=issuetwentytwothreeone
date : 04/02/2013