حرب عالمية لإخضاع الشعب السوري؟- رأي القدس
حرب عالمية لإخضاع الشعب السوري؟- رأي القدس
عترفت روسيا بعد موجتين من الهجمات الجوية خلال اليومين الماضيين في سوريا بتوسيع دائرة هجومها العسكري من إطار مواجهة تنظيم «الدولة الإسلامية» إلى استهداف قائمة من «الجماعات المتشددة الأخرى» وليس «الدولة الإسلامية» فحسب. ويأتي ذلك، بحسب قولها، بالتنسيق مع القوات المسلحة السورية، وهو يعني أنها، ستستهدف صراحة وعلانية، فصائل المعارضة السورية المناهضة للنظام من دون استثناء.
التأكيد على الأهداف الحقيقية الروسية جاء من مصادر عديدة منها السناتور الأمريكي جون مكين الذي قال خلال مقابلة مع شبكة تلفزيونية أمريكية أمس إن الضربات الروسية الجوية الأولى في سوريا استهدفت أفرادا من الجيش السوري الحر الذي تدعمه الولايات المتحدة، فيما أكدت مصادر سياسية وعسكرية عديدة أن الطيران الروسي استهدف مناطق سورية عديدة لا توجد فيها قوات لـ»الدولة الإسلامية»، وفي مناطق حققت فيها قوات المعارضة السورية إنجازات مهمة ضد قوات النظام، مثل إدلب وغيرها.
تأكيد الكرملين على وجود تنسيق مع البيت الأبيض ووزارة الدفاع الأمريكية، لا ينفي أن طبيعة هذا «التنسيق» تبدو أقرب للتهديد منها للإبلاغ. فالمتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية جون كيربي قال أول أمس إن واشنطن تلقت إشعاراً بالهجوم الروسي من مسؤول روسي في بغداد طلب من القوات الجوية الأمريكية تجنب المجال الجوي السوري أثناء قيام الطائرات الروسية بمهامها العسكرية.
تبليغ المسؤول الروسي في العراق للسفارة الأمريكية في بغداد بالهجوم وطلبه ابتعاد الطائرات الأمريكية أثناءه، يحمل مدلولات يصعب عدم الانتباه إليها، أوّلها، بالتأكيد، محاولة روسيا انتزاع إقرار أمريكي وأوروبي بأنها أصبحت أكبر اللاعبين على الأرض السورية. وثانيها، هو أنها، أيضاً، صارت معنيّة بشأن العراق وصولاً إلى كل المنطقة المشمولة بالنفوذ الإيراني، وهو ما تبدّى في إعلان «التحالف الرباعي» مع إيران والعراق وسوريا، وفي تصريحات إيران و«حزب الله» بتأييد ما تفعله روسيا من دون تحفظ.
الهجمات الروسية الأخيرة في الجوّ وانعكاساتها على الأرض ووجهت بتصريحات سياسية وإعلامية أمريكية وأوروبية ليس من المتوقع، على المدى المنظور، أن تتحوّل إلى ردود فعل حقيقية لإيقاف عملية تغيير الوقائع الميدانية وإعادة تثبيت أركان نظام بشار الأسد.
يعود أساس ذلك إلى عدم استراتيجية حقيقية أمريكية أو أوروبية حول سوريا. فكلّ ما فعلته واشنطن والتزمت به العواصم الأوروبية، منذ بدء الثورة السورية، هو السماح للنظام السوري بتحويل الثورة الشعبية ضدّه إلى حرب إبادة وتهجير وهندسة اجتماعية.
تحوّل ذلك، مع التراجع في مسار الثورات العربية والمفاجآت التي تعرّضت لها واشنطن في ليبيا، وإزاحة الرئيس المصري محمد مرسي، وصعود تيار «الدولة الإسلامية» في العراق وسوريا، إلى إعادة موضعة للسياسات الأمريكية في كامل المنطقة العربية، تعيد المراهنة على الدكتاتوريات، وتستعيد رهاب (إن لم نقل معاداة) التيارات الإسلامية على اختلاف مذاهبها وأشكالها.
الإشكال الرئيسي في الموضوع السوري يكمن في تشكّل مقاربة أمريكية ـ روسية متشابهة للمسألة تُعلي من شأن محاربة «الدولة الإسلامية» (وهي ظاهرة فرعية طارئة شارك النظام السوري بمكره ووحشيته في توفير البيئة المناسبة لصعودها) على معالجة أسباب الثورة الحقيقية التي اندلعت في سوريا.
استغلّ الروس هذه الموافقة الضمنيّة الأمريكية على ضرورة حرب «الدولة الإسلامية» ليحققوا أهدافاً استراتيجية عديدة بينها جعل المسألة السورية رهينة لهم ومحاولة فرض تغيير كبير على الأرض.
هل يتعلّق الأمر بمفاوضات عالمية كبرى أم أن روسيا تريد فرض أمر واقع جديد في سوريا وجعل الغرب يذعن لمفاعيله؟
الأغلب أنها ستحاول تحقيق الهدفين معا.
لكن ما سيراه السوريون هو أن ما يحصل هو حرب عالمية لإخضاعهم، وأن التصريحات الأمريكية ليست إلا صدى شائها لوقع الصواريخ الروسية على رؤوسهم.
http://www.alquds.co.uk/?p=411906