« أضرب الراعي فتتبدد خراف الرعية » – عبده وازن

Article  •  Publié sur Souria Houria le 29 septembre 2011

كان الإعلام، مرئياً ومسموعاً، يسعى وراء البطريرك صفير، مستنطقاً إياه بمشقة، وكان هذا البطريرك الحكيم يختصر قدر ما أمكنه، فهو لا يؤثر « الاطناب » ولا الثرثرة بل كان يكتفي بكلام فيه الكثير من التلميح الذكي الذي يقول كثيراً، بقليله. أما البطريرك الجديد بشارة الراعي، فبدا منذ تسلمه الكرسي – الذي جعله بمثابة سدة رئاسية – على خلاف سلفه، ذا ميل فاضح الى الأعلام، لا سيما المرئي والمسموع، وغدا كأنه يسعى هو وراء هذا الإعلام سعياً شخصياً أكثر مما يسعى الإعلام وراءه. هذه النزعة المستهجنة ليست بجديدة في « مسار » البطريرك، فهو كان يطل، أيام كان مطراناً، على شاشة « تيلي لوميير » في برنامج يحمل عنواناً هو بالتحديد اسمه نفسه: « بشارة الراعي »، ولكن مرتكزاً الى رمزية هذا الاسم الذي قد لا تطاوله كثيراً. فالمطران حينذاك، لا يمكن وصفه بـ »الراعي » كما ورد في الإنجيل، وبشارته لا يمكن بالتالي اسقاطها على مفهوم البشارة التي قال بها الإنجيل، وهذا مفروغ منه. فالإنجيل لا يُقارب بسهولة وصفة « الراعي » الذي تحدث عنه المسيح، هي أبعد من أن تطلق كيفما كان لها ان تطلق. والخوف، كل الخوف أن يكون الخصوم المعلنون وغير المعلنين، قد عملوا بموجب المثل الإنجيلي: « أضرب الراعي فتتبدد خراف الرعية » (متى،31)
آخر « بشارات » الراعي التي أطلقها خلال زيارته الأخيرة لفرنسا، لم تكن ببشارة بقدر ما كانت بـ »نذير » شؤم. فهي أولاً سياسية، في المعنى « السيئ » للسياسة، بل في معناها الملتبس والملفّق، ثم إنها جاءت تناقض تماماً ما كان قاله الراعي نفسه، بخاصة في ما يتعلق بسلاح « حزب الله » الذي وصفه مراراً باللاشرعي، ووجد فيه عائقاً أمام قيام الدولة، دولة « الشركة » التي نادى بها سابقاً وأنكرها في باريس. فأيّ شركة (أو شراكة) هذه التي تقوم على خلل كبير في تركيبة الدولة والمجتمع، وهو خلل غير طبيعي بل مفروض فرضاً لمصلحة جماعة من داخل هذه التركيبة؟
أما في ما يخص الدفاع عن النظام السوري وحزب البعث الحاكم في هذه اللحظة التاريخية الرهيبة، فبدا كلامه مستهجناً كل الاستهجان، وعبّر عن انقلاب واضح على ثوابت بكركي والطائفة المارونية المعروفة بانحيازها الى صف الضحية ورفضها كل اشكال التسلط والقمع والقتل. لو كان موقف الراعي شخصياً لكان قابلاً للنقاش انطلاقاً من الحرية في الاختيار والانتماء، لكنه يمثل الكنيسة المارونية، على اختلاف مرتباتها، وكذلك المواطنين الذين ينتمون اليها روحياً. والكنيسة المارونية التي طالما عانت الاضطهاد والقمع والتسلط خلال التاريخ، لا يسعها البتة أن تناصر القامعين والمتسلطين والطغاة وفي ظنّها أنها تحمي نفسها وتحمي سائر المسيحيين. كنيسة المقموعين والمضطهدين أصبحت كنيسة القامعين والطغاة. هذه ليست بالكنيسة المارونية. والراعي مهما حاول أن يسبغ هذه الصفات على كنيسة الموارنة فهو سيظل عاجزاً كل العجز عن تشويه تاريخ هذه الكنيسة وتحطيم هالتها الرمزية
في الأيام الاخيرة، بدا الراعي نجماً تلفزيونياً. لم يعد يقوم بأيّ جولة رعوية – وغير رعوية – بعيداً من الكاميرات. لم يبق هو الراعي فحسب، بل أصبح النجم، على خلاف الراعي الذي تحدث عنه المسيح. في أحد الاحتفالات به في بعلبك ألقى فيه أحد المحتفين كلمة تفيض بلاغة وفصاحة ومرّ فيها على ذكر المسيح بصفته عبداً لله، وهي المقولة التي دفعت سابقاً الراعي (المطران) على الاعتراض على برنامج عن المسيح كانت تبثّه « المنار »، وعلى اعلان ما يشبه العصيان الطائفي. لكن الغبطة والبهجة اللتين أخذتا بالراعي خلال التكريم لم تسمحا له بسماع هذه المقولة التي قيلت علانية. فهذا « الاحتضان » (غير البريء) لم يحظ به حتى في مسقطه الماروني
شخصياً لن آخذ بالشائعات التي أطلقت أخيراً حول البطريرك الذي قلب مواقفه رأسا على عقب، فالشائعات السياسية التي تحيق به والملفات لم يتم الحديث عنها، لا يمكن الأخذ بها بتاتاً. لكني شخصياً، وبصفتي مارونياً بحسب الهوية، أشعر أن هذا البطريرك لا يمثّلني ولا يمثّل الكثيرين من أمثالي وغير أمثالي. وما دام البطريرك صفير على قيد الحياة – أطال الله عمره – فهو الوحيد يستحق لقب « مجد لبنان أُعطي له ». علماً أنني لم أعد أؤمن بالفكرة اللبنانية أو بالخرافة اللبنانية التي لم يعد لها وجود

النهار – الأربعاء ٢٨ أيلول ٢٠١١

http://www.annahar.com/content.php?priority=3&table=mulhak&type=mulhak&day=Wed