إسرائيل و داعش .. تشابهات..! – علاء الدين أبو زينة

Article  •  Publié sur Souria Houria le 22 septembre 2014

يبدو الطرفان الأكثر إزعاجاً في الشرق الأوسط اليوم، « إسرائيل » و »داعش »، بعيدين جداً عن الاصطدام المباشر في هذه الآونة. وفي تفسير هذا السلام بينهما، يقول أتباع « داعش » إن جماعتهم ملتزمة بفكرة « قتال المرتد القريب أولى من قتال الكافر البعيد ». كما أن مقاتلة « إسرائيل » الآن ستكون تسرعاً غير محمود، على أساس أن « من استعجل أمراً قبل أوانه عوقب بحرمانه »، فيما لا يعتبرون تأسيس « الخلافة » بالكيفيات والصفات المعروفة المنفرة تسرعاً. أما كيان الاحتلال، فلا أحب إلى قلبه من جماعة تفكك له الدول العربية المحيطة وترعب أهلها وتلهيهم حتى عن أنفسهم، ثم لا تستهدفه أيضاً.
قد يفكر المرء في هذه الثنائية بمجموعة من المشتركات بين الكيانين « داعش » و »إسرائيل »، (الاسمان طارئان بوضوح على سياق المنطقة)، والتي تجعلهما متصالحين ضمنياً. أولاً، ينطلق الكيانان من تأويلات متشددة إقصائية للعقيدة، ممزوجة بقومية شوفينية، ويستمد كل منهما تبرير وجوده من الادعاء بتنفيذ تكليف إلهي مقرون بالأحقية الذاتية في الفكرة والأساليب. وكما هو معروف، أسس كيان الاحتلال نفسه على أساس الفكرة اللاهوتية « شعب الله المختار »، باعتبار فلسطين هبة إلهية لليهود.  في سنة 1936، قال بن غوريون، الذي سيصبح بعد ذلك رئيس وزراء إسرائيل، للجنة بيل البريطانية: « إن حقنا في أرض إسرائيل ليس معطى من الحكومة البريطانية أو وعد بلفور؛ إنه أقدم بكثير. إن الكتاب المقدس هو ولايتنا على الأرض ». وهكذا جرى تبرير الاحتلال والقتل والإبادة كلها بالتكليف الإلهي. ولا تختلف نسخة « داعش » كثيراً، حيث تعتقد المجموعة أنها تنفذ مهمة مقدسة، تبدأ بإبادة « المرتدين » (أي كل ما هو ليس من داعش)، وتمر بقتل الكفار ثم إقامة خلافة في الكرة الأرضية لمن يتبقى.
من حيث التكوين، تشكلت « إسرائيل » من تجنيد مجموعة من الناس من مختلف الأنحاء وجلبهم إلى المنطقة المعينة لإقامة الدولة. وبكيفيات تشبه تهجير اليهود إلى فلسطين وتدريبهم عسكرياً، « يهاجر » الجهاديون من مختلف الأماكن القريبة والبعيدة لغايات التدريب والقتال وإنشاء الدولة أيضاً. ويذكر كتاب عن تكوين القوة الجوية للكيان الصهيوني في العام 1947 – 48 أن ثلثي طياريها كانوا من المتطوعين الأجانب. ويضيف: « كان المتطوعون مجموعة غير عادية. قدموا من أنحاء مختلفة من العالم. لم يكونوا جميعاً من اليهود. كان بعضهم من المثاليين، وبعضهم من المرتزقة، والبعض الآخر من المجانين. لكن القاسم المشترك بينهم كان حبهم للمغامرة ». وفي مكان آخر يذكر المؤلفان مسألة نفقات المتطوعين والمغريات المادية، بالإضافة إلى إغراء المغامرة لمتقاعدين ليس لهم عمل. والآن، تدخل عناصر المغامرة والإغراء المادي والمثالية والارتزاق والجنون في حالة مقاتلي « داعش » بوضوح. ويشبه قدوم المقاتلين العالميين من الشباب والبنات، بلا قضية حقيقية، وإلى أقدار مجهولة، حالة « متطوعي إسرائيل » أولئك.
في الأساليب، أسس الكيان قلعته باستخدام الإرهاب الصريح، وعرض أفظع أنواع الوحشية من المجازر والتخويف وإفراغ الأرض بالرعب واستهداف كل مختلف. وتستخدم « داعش » نفس الأساليب في الأراضي التي تستولي عليها. لكن الاختلاف هو أن « إسرائيل » تحرّم دم اليهودي مهما كانت الأسباب تقريباً ولا يمكن أن تعتبره مختلفاً حتى لو كان معارضاً ومنتقداً، بينما يشمل « المختلف » بالنسبة لداعش حتى أبناء الطائفة نفسها، باعتبارهم « مرتدين » وخارجين عن الملة.
هناك تشابه أيضاً في التكوين الجيوسياسي، إذا جاز التعبير، حيث يقيم كل من الكيانين نفسه على قطعة أرض ليست منطقته تاريخياً، ويسعى إلى توسيعها. وفي الحالتين تتسم « الدولة » بأنها كائن غريب منفصل ومعادٍ لكل ما حوله. وفي حين يختلف الكيان الصهيوني في فلسطين عن المنطقة في كل شيء، من اللغة إلى الأعراق إلى التركيبة الثقافية، تنفصل « داعش » عن مألوف المنطقة بالأزياء والمظهر والنظام الاجتماعي والتكوين المتخيل للمجتمع وأدواته بحيث يجب أن يطابق شيئاً من القرون الوسطى. يضاف إلى ذلك أن الكيانين يعتمدان على رعاة معادين لشعوب المنطقة وتطلعاتها وتقدمها.
ثمة فارق، هو أن العالم والعرب لم يحشدوا في أي يوم لتفكيك الكيان الصهيوني وتدميره، بينما يفعلون في حالة « داعش » التي تشبهه كثيراً والتي لا شك أن وجود الكيان كان عاملاً مهماً في تشكيلها، وسيظل يساهم، مع دكتاتوريات المنطقة، في تفريخ المزيد من شاكلتها.