إضاءة : اختطاف الأب باولو مساس بمستقبل سوريا اختطاف الأب باولو مساس بمستقبل سوريا – نبيل حيفاوي

Article  •  Publié sur Souria Houria le 13 août 2013

باولو داليليو, الأب اليسوعي, السوري من أصل إيطالي, أحد الأيقونات البارزة في مسيرة الشعب السوري على طريق الحرية.

حادثة اختطافه, من قبل تنظيم القاعدة (دولة العراق والشام الإسلامية), جاء في ظروف تتزايد فيها التعقيدات التي تعترض طريق الثورة, بأفقها المدني التعددي الديمقراطي. وفي مرحلة تتجذر فيها المواجهة الميدانية, بين قوات الثوار وجيش النظام وعصاباته الفاشية الطائفية, المدعومة بقوات نصر الله وكتائب أخرى مرجعيتها ولاية الفقيه في طهران.

الاختطاف الغادر لباولو داليليو, ليس أمرا يتعلق بالموازين العسكرية على الأرض. فالرجل ومنذ بداية الثورة, كان داعية حرية وسلام في سورية, ولم يكن من دعاة العنف على الإطلاق, وإن أبدى تفهمه للتداعيات التي فرضت على النشطاء والفعاليات الدفاع عن النفس بالسلاح, لقد اقتصر نشاطه على الجوانب الإنسانية والاجتماعية, والفكرية لاحقا, عندما راح يتنقل بين مواقع الثوار, والاتصال مع قيادة المعارضة في الخارج.

حتى الظروف التي اختطف فيها, كانت تدل على طبيعة نشاطه, الساعي إلى تفكيك المشكلات بين القوى المسلحة, التي تقاتل في شمال وشمال شرق سوريا. ويمكن وصف اختطافه بعملية غدر جبانة لرجل أعزل, يدافع عن قضية الشعب السوري, ويعمل على تخفيف معاناته, من خلال درء خطر الصراع الداخلي في المناطق التي تم دحر النظام عنها.

ولأن باولو داليليو, قام بدور مساند للنضال من أجل الحرية, تعرض منذ البداية لتهديدات النظام, ولقرار طرده من الاراضي السورية. والحقيقة أن ما قامت به القاعدة أثلج صدر النظام, لأنها قامت بجزء من عمله, ورفعت عنه المسؤولية, كما دعَمت طروحاته المفبركة والكاذبة حول الخطر الذي تشكله الثورة, باتهامها بالتطرف الديني دون تمييز.

والرجل, كما يؤكد كل من تعرف إليه قبل الثورة, كان مناهضا عنيدا لأميركا وإسرائيل, بدعوته التي انطلق منها « وحدة الشعوب من كافة الاديان, ضد الظلم الأميركي, وضد العنصرية الصهيونبة ». فهو ينتمي الى قضايا التحرر والحرية في العالم, واختار موقعه في سوريا, لانه ينظر للتاريخ الحضاري لبلادنا, بعين لاتمت للاستشراق والتبشير المسيحي الغربي.

وشخصية من هذا التكوين, يشكل المساس بها خدمة للعنصريات في الغرب, ولدعاة فكرة صراع الحضارات, كما يعزز الاتجاه الذي ينظر بخوف من مستقبل سوريا بعد سقوط الأسد, منتحل العلمانية. ولا يخلو المساس به من فرصة لدولة إسرائيل, لترتاح من رجل دين مسيحي اوروبي, جاء للشرق ليكافح من أجل دحض مقولة « يهودية » مدينة القدس.

وكان في سنة 2000 قد اقترح مسيرة عالمية للقدس, تبدأ من العراق, وتصل إلى القدس, مشيا على الأقدام عبر سوريا, ولم ينجح اقتراحه بسبب رفض النظام للفكرة, وتقاعس الفصائل الفلسطينية عن دعمها.

وعليه, فإن المساس بالأب باولو, يتجاوز حدود المساس بالثورة السورية وأفقها المدني التعددي.

قوى الثورة على محك الاختبار وعليها واجب كبير, للقيام بكل السبل المتاحة بإنهاء اختطاف الأب باولو, وعودته ليختار موقعه في النضال مع الشعب السوري.

كما الواجب أيضا, على القوى العربية الداعمة للحرية والتنوع, والمؤمنة بمستقبل مدني تعددي لمجتمعاتنا, أن تتحرك بالسبل كافة, داخل بلداننا وعلى المستوى الدولي, لتشكيل أكبر حملة ضغط على الخاطفين, حفاظا على حياته اولا ولإنهاء احتجازه وهو الأهم.

ولا بأس أن تشمل الحملة منظمة الدول الإسلامية, والمرجعيات الدينية الأخرى, حيث مصداقية هذه الأطراف, في دعوتها للتعايش والتعدد, تختبر عند هكذا محك.

إن بقاء مصير الأب باولو مجهولا, بما يعني وجود خطر على حياته, هو وصمة عار في جبين الجميع, وإهانة كبيرة للقوى الانسانية والمدنية والمحبة للسلام والأخوة بين الأديان.

source : http://www.hurrriya.com//news/main.aspx?id=issuefourtyninetwotwo

date : 12/08/2013