إنقاذ الشيعة العرب من حزب الله: الاحتواء لا الاستعداء- خالد الحروب

Article  •  Publié sur Souria Houria le 27 juin 2013

لمقامرة الخاسرة التي انخرط فيها حزب الله بتأييد نظام الأسد الباطش في سورية لم تدمر وحسب موقع الحزب في المشهد السياسي العربي، بل وأيضا موقع الشيعة العرب بالإجمال، والعلاقة الهشة اصلا بين السنة والشيعة في المنطقة.
ابتداء يشعر المرء بالمرارة، إن لم يكن بالقرف، نتيجة الاضطرار لاستخدام مصطلحات من نوع « الشيعة العرب » و »السنة العرب » أو كل ما ينسب مجموعة من المواطنين إلى طائفة أو إثنية.
وهذا الانزلاق يدلل على فشلنا جميعا في بناء دول مدنية حديثة قائمة على مفهوم المواطنة والمساواة الدستورية التي تهمش الانتماءات الطائفية والدينية والقبلية، وترقي مفهوم الفرد المواطن والدولة بكونها الوعاء السياسي والاجتماعي الاساسي للجماعة الوطنية.
يتحمل حزب الله المسؤولية الكبرى امام التاريخ والاجيال القادمة بكونه ورط المشرق العربي في انقسام طائفي مريع ومقرف كنا في غنى عنه، وكان لدينا من المعضلات ما يفيض عن حاجتنا اصلا.
وابتداء، ايضا، لا يعني قصر الحديث في هذه السطور على حزب الله ان بقية الاطراف ابرياء من التسعير الطائفي ودفع الامور نحو الهاوية التي نتجه إليها في المنطقة بخطى ثابتة.
فالتطرف السلفي التكفيري ورجال دين الفضائيات الذين يستسهلون فتاوى تكفير الشيعة طولا وعرضا هم شركاء في جريمة الدمار المجتمعي والسياسي والثقافي التي نشهدها الآن.
لكن حزب الله هو فعلا وبكل موضوعية باردة المتهم والمجرم الاول. انحيازه إلى جانب الاستكبار والظلم والبطش الأسدي ومنذ الاسابيع الاولى من الثورة السورية التي بقيت شهورا طويلة سلمية ومدنية وبعيدة عن ايدي التكفيريين والنصرة وغيرهم هو الذي فتح باب التخندق في معسكرات طائفية.
موقف الحزب واندفاعته الجنونية جاءت انصياعا لأوامر طهران التي يقودها هي الاخرى هوس النفوذ في المنطقة، حيث بدت لها « معركة سورية » معركة حياة أو موت بعد أن ضمنت « معركة العراق ».
لا نعرف ما الذي تريده « إيران الاسلامية » من هذه السياسة التوسعية سوى انها الاستمرار الطبيعي لـ « إيران الشاهنشاهية ».
فلئن كانت الاولى صدمت الجوار العربي باحتلالها الجزر الاماراتية وتبني سياسة عنجهية متكبرة إزاء العرب، فإن الثانية كرست سياسات الاحتلال واستمرت في العنجهية ذاتها، ويتمدد نفوذها وتدخلها في كل الخليج ويتعداه.
من حق إيران الدولة ان تدافع عن مصالحها في الاقليم وتبحث عن موقع يلائم قوتها، لكن من الجريمة التاريخية والدينية ان تستغل الدين والطائفة لتحقيق تلك المصالح، لأن ذلك يعني تدمير فكرة « المواطن » في كل دولة تتدخل فيها، ويعني بسط ظلال الشك بولاء كل وجود شيعي في اية دولة عربية.
حزب الله ينخرط في المشروع الايراني جملة وتفصيلا، ويصبح أداة إيرانية تافهة بعد أن كان حزب مقاومة شريفاً أسر قلوب العرب والمسلمين في حروبه السابقة ضد إسرائيل. تخلى الحزب عن مقاومته وعن لبنانيته ولم يعد يفكر إلا بالأجندة الايرانية.
أكتب هذه السطور بمرارة كبيرة خاصة وقد كنت قد كتبت في زمن « العصر الذهبي » لحزب الله ان الحزب بإمكانه استثمار رأس المال المقاومي والسياسي الكبير الذي راكمه والقيام بمهمة تاريخية غير مسبوقة في المنطقة هي ردم الهوة بين السنة والشيعة إلى الابد.
في ذلك « العصر الذهبي » تمتع حزب الله بتأييد جارف في البلدان العربية والاسلامية (السنية)، واتسع نطاق مؤيديه ليتجاوز المتدينين ويشمل علمانيين ويساريين ومسيحيين أيضا.
تحول الحزب إلى ظاهرة تاريخية: قوة سياسية شيعية في الجوهر تحقق اختراقا شعبيا هائلا في وسط الاغلبية السنية.
المغزى الكبير لذلك تمثل في تهميش التعريف الطائفي، والانتقال الى جوامع وطنية اخرى.
كيف يمكن للحزب ان يفرط في كل ذلك التاريخ، وكل رأس المال المقاومي ذاك ويلهث وراء حاكم مستكبر وفاسد ونهايته السقوط المحتم حتى لو اطالت الحرب الدموية التي يخوضها عمره السياسي عاما او اثنين؟
ليس هناك اي افتئات على الحزب، بل محاكمة له بالمبادئ التي اطلقها وقال انها تحكم سياسته ونظرته لأي حدث او صراع.
ففي العام 2009 أصدر الحزب وثيقة مهمة ومركزية نشرها اعلامياً بشكل واسع هي « الوثيقة السياسية لحزب الله »، واعتبرت حلقة مهمة من حلقات تطوره الفكري والسياسي.
تنص تلك الوثيقة على « أن معايير الاختلاف والنزاع والصراع في رؤية حزب الله ومنهجه إنما تقوم على اساس سياسي – اخلاقي بالدرجة الاولى، بين مستكبر ومستضعف، وبين متسلط ومقهور، وبين متجبر ومحتل وطالب حرية واستقلال ».
اليوم من حق الرأي العام، وكثير منه ايد حزب الله في السنوات الماضية، استدعاء هذا الاساس واسس اخرى عديدة ناضل من اجلها الحزب وبسببها كسب تأييد شرائح واسعة في العالم العربي.
ومن حق الرأي العام، في ضوء موقف الحزب وامينه العام من ثورة الشعب السوري ووقوفه ضدها وانحيازه الى جانب المتجبر والظالم، محاكمة حزب الله بناء على الاسس والمعايير التي حددها لنفسه إزاء فهم ورؤية اي صراع.
لكن ما العمل الآن وقد حدث ما حدث ووقع الدمار الكبير.
احد اوجه وأوليات العمل هي إنقاذ شيعة لبنان وشيعة العرب من سطوة حزب الله والزعم بتمثيلهم.
وهذا يتطلب استراتيجية على مستوى الوطن العربي وعلى مستوى كل قطر عربي يشكل الشيعة فيه مكونا بارزا ومهما من الشعب.
والمنطلق الاساسي في هذه الاستراتيجية يجب ان يكون « الاحتواء » وليس « الاستعداء ».
الشيعة العرب هم جزء من شعوبهم العربية واوطانهم العربية، والشريحة الاقل منهم ولاؤها يذهب إلى ما وراء الحدود، إلى ايران وحزب الله.
معنى ذلك الحفاظ على الغالبية والتعامل معهم من منطلق وطني ومساواتي ودستوري وعدم تحميلهم جريرة حزب الله او ايران والسياسات الطائشة والمدمرة التي يقودانها.
ويتطلب هذا لجم الدعاوى المتطرفة التكفيرية والمتعصبة التي تنطلق من هنا وهناك تستعدي كل الشيعة وفي كل مكان.
المنطلق الثاني في الاستراتيجية المطلوبة هو القيام بكل ما يلزم من اجل ابعاد الشيعة اللبنانيين والعرب من ورائهم عن حزب الله وهيجانه غير المنفلت، وكسر زعم تمثيليته للطائفة.
وهذا يتطلب ايضا الدقة في المقاربة الامنية، خاصة التي اعلن عنها في اجتماعات مجلس التعاون الخليجي مؤخرا من تجريم حزب الله في الخليج وملاحقة افراده ونشاطاته.
وتحديدا هنا، يجب الحذر في عدم التوسع في تلك المقاربة والاستسهال الذي تغري به لجهة وضع كل « شيعي لبناني » محط الشكوك والاتهام.
فمثل هذه السياسة تؤدي إلى عكس ما يجب تحقيقه، تؤدي إلى عسكرة الشيعة وراء حزب الله، واستعدائهم غير المبرر.
التخوفات الامنية لدى دول الخليج بسبب السياسات والتدخلات الهوجاء لإيران وحزب الله مبررة بالتأكيد، لكن ترجمتها على شكل اجراءات وسياسات يجب ان تكون دقيقة ومدروسة حتى لا تحقق لحزب الله ما يريده من تخندق طائفي عابر للحدود.