إيران ودرس سورية: مصالحة الغرب للاستقواء الإقليمي – خالد الحروب

Article  •  Publié sur Souria Houria le 29 septembre 2013

تتغير الحكومات في ايران لكن ما لا يتغير هو استمرار صعود إيران في المنطقة وتزايد نفوذها.
سواء أكان الحكم في طهران متطرفا بقيادة احمدي نجاد، ام معتدلا بقيادة حسن روحاني فإن مسار السياسة الايرانية يبدو متجها في الخط التصاعدي نفسه.
ليس ثمة عبقرية خاصة تميز تلك السياسة تقودها إلى انجازات من نوع مختلف، بل هو الفراغ الاقليمي العربي وضعف الدول العربية هو الذي يغري دولا اقليمية مثل إيران وتركيا كي تحتلا موقعا متميزاً في قلب النفوذ الاقليمي، مُضافا إلى ذلك غباء السياسة الاميركية في العراق التي انتهت إلى تقديمه على طبق من فضة لطهران ونفوذها.
خلال فترة حكم نجاد اختلطت السياسة الايرانية وتوسعها الاقليمي بنبرة ايديولوجية دينية وشعارات وتهويمات الرئيس نفسه الذي كان يعيش عالمه الغيبي الخاص به.
في السياسة ليس اخطر من رجل يعتلي هرمها وتقوده احلام أو اوهام الايديولوجيا ويظن ان الغيب اوكل إليه مهمة اصلاح الكون.
كان نجاد يعتقد أنه قائد جيش المهدي المنتظر وان ظهور هذا الاخير بات وشيكاً، وكل ما كان يقوم به نجاد هو التمهيد الضروري لعودة ظهور الامام.
وكان يرى في الغزو الاميركي للعراق محاولة اميركية يائسة لتأخير ظهور الامام لأن وسائل الاستخبارات الاميركية علمت قبل غيرها بموعد الظهور!
بكل الاحوال صار ذلك خلف ظهورنا، ونأمل إلى الابد، مع انتخاب وتولي حسن روحاني الحكم الذي يتأمل كثيرون ان يفتح صفحة جديدة في السياسة الايرانية وخاصة لجهة علاقات ايران مع جيرانها العرب.
لكن المواقف والتوجهات التي يمكن رصدها حتى الآن من سياسات الحكم الجديد تشير إلى الشيء ونقيضه وما زالت لم تترسخ، ومن الموضوعي منحها فترة اطول حتى تتبين بشكل اوضح ومن ثم يتم الحكم عليها.
لكن الشيء المقلق هو ان تتغير السياسة الايرانية دوليا وتنصالح مع الغرب في الوقت الذي تبقى على حالها من تشدد وبسط نفوذ وتدخل على المستوى الاقليمي.
بل وأزيد من ذلك ان يوفر لها انفتاحها على الغرب وتقديمها تنازلات في الملف الاهم بالنسبة للدول الكبرى، وهو سقف امتلاكها التكنولوجيا النووية وقدرتها على تحويل تلك التكنولوجيا إلى المجال العسكري، فرصا جديدا للاستقواء الاقليمي وتكريس سياسة التدخل في الجوار وبسط النفوذ. والشيء الاكيد هنا هو ان طهران تقرأ وتستوعب الدرس السوري جيدا ومدى الهوس الغربي بسلاح سورية الكيماوي الذي ادهش وفاجأ حكام دمشق انفسهم، حيث اكتشفوا ان هذا السلاح هو رافعة النجاة للنظام، ليس عبر استخدامه بل عبر التفاوض مع الغرب على تسليمه.
ومن شبه الاكيد هنا ان تكون طهران قد قدمت نصيحة غالية لدمشق لقبول فكرة تسليم السلاح الكيماوي، بهدف كسر الانسداد السياسي الذي كان يواجه الحكم في سورية، وفتح الطريق واسعا إلى « المفاوضات مع الغرب » حول كيفية وآلية تسليمه، والجدول الزمني، وترتيبات السلامة، والبروتوكول السياسي والدبلوماسي والامني، وقائمة طويلة لا تنتهي من الاجراءات. طهران التي تمتلك خبرة عريقة في « المفاوضات مع الغرب » حول الملف النووي سوف تكون إلى جانب دمشق تمدها بتلك الخبرة، وسوف تطول مفاوضات الملف الكيماوي السوري مع الغرب كما طالت شقيقتها الايرانية، وخلال ذلك يستقوي النظام ويستمر في طحن الشعب السوري دفاعاً عن حكم الاقطاع الاسدي.
كانت طهران تدرك أن الملف النووي هو الورقة الأهم إن لم تكن الوحيدة التي تمتلكها على طاولة المفاوضات مع الولايات المتحدة والغرب من اجل اكتساب اعتراف بموقع ومصالح ايران في المنطقة، والكف، حسب ما تقول طهران، عن التدخل في الشؤون الداخلية الايرانية.
والآن جاء الدرس السوري ليس ليؤكد ما كانت تعرفه إيران وحسب، بل ولتدهش حكامها بمدى هوس الغرب واستعداده لتقديم تنازلات كبيرة في سبيل تحييد هذا السلاح في سورية، ثم في إيران.
لم يهم الغرب ان اكثر من مائة الف سوري قتلوا بالسلاح التقليدي غير الكيماوي، ذلك ان هذا السلاح فعال فقط ضد الشعب ولا فاعلية له خارج حدود سورية، وتحديدا مع إسرائيل.
وكذا الامر بالنسبة للملف النووي الايراني، فطالما تم تحييده فإن خطر ايران على اسرائيل (سواء أكان حقيقيا، ام متوهماً) سوف يتم ابطاله.
في المقابل تُترك ايران حرة وطليقة في سياساتها الاقليمية وإزاء جيرانها.
على ذلك فإن المرحلة المُقبلة سوف تشهد تحديات كبيرة للنظام الاقليمي العربي المتداعي اصلا ازاء ما قد تصل إليه المفاوضات الايرانية الغربية. فطهران روحاني سوف تكون في الغالب اكثر اعتدالا وبراغماتية مع الغرب إزاء الملف النووي، وليس من المُستبعد ان تصل معادلة شبيهة بالمعادلة الروسية واساسها هو: التنازل للغرب من اجل السيادة في الاقليم. ولأن بوصلة الاهتمام الاميركي والغربي عامة هي أمن إسرائيل فحال ان يتم تأمين ذلك بشكل مطبق، فإن إطلاق يد طهران اقليميا لن يقض مضاجع الرئيس الاميركي او حلفاءه.
وهذا يُبقي التحدي الحقيقي والكرة الملتهبة في الملعب العربي ويطرح الاسئلة الصعبة التي يجب التصدي لها وهي كيفية التعامل مع ايران، وما هي الرهانات على طهران الجديدة وحاكمها الجديد، وما هي نسبة الجديد والمتغير إزاء القديم والمستمر في سياستها.
المعضلة الكبيرة في السياسات العربية، في كل القضايا تقريبا، هو التردد والبطء وعدم الإقدام، على العكس تماما من السياسة الايرانية التي تتصف بالهجومية وعدم التردد.
خلال سنوات الثورة السورية الثلاث دخلت إيران في قلب النار من دون تردد، ووقفت إلى جانب نظام الحكم الدموي ولم تأبه لأي شيء آخر.
كانت تدرك ان سقوط النظام يعني انحسار نفوذها الاقليمي وانكسار الهلال الايراني في الحلقة الاهم منه.
في المقابل لم يكن هناك موقف عربي يتسم بنفس السمات في سورية مؤيدا لثورتها.
وإذا نظرنا إلى سياسة دول مجلس التعاون الخليجي وخاصة في السنتين الماضيتين فإننا نرى بوضوح التردد والتراخي في الملف السوري.
وعندما صار هناك موقف خليجي مبادر وفعال وهجومي فقد اتجه للمعركة الخطأ، اي في مصر، واستنزف الجهد والموارد والتخطيط للحرب على نظام الاخوان في القاهرة وهو النظام الذي كان سقوطه محتما بالانتخابات وبالإرادة الشعبية ومن دون تدخل خارجي.
وفي غمره الانهماك في مصر، كانت ايران تتجذر في سورية واليمن والمنطقة كلها.