الأبواب الموصدة – غسان شربل

Article  •  Publié sur Souria Houria le 21 novembre 2011

لم تعتد السلطات السورية على استقبال مراقبين في مدنها وشوراعها حتى ولو كانوا عرباً. تدرك معنى الخطوة. يرسَل المراقبون اصلاً الى الدول المريضة. الدول الغارقة في نزاعات لا تستطيع حسمها والتي تَعتمد اساليب غير مقبولة في معالجتها. فكرة ارسال المراقبين تقوم عادة على التشكيك بالرواية الرسمية. او امتحانها على الاقل. وهي ترمي الى نوع من التقييد لحركة مَن يمتلك القوة ويحاول استخدامها بصورة مفرطة.

ثم ان سورية التي دعيت الى استقبال المراقبين، هي سورية التي رأت مقعدها شاغراً في اللقاء الوزاري العربي الأخير. هذه ليست مسألة بسيطة. كانت سورية سابقاً لاعباً بارزاً حول طاولة الجامعة العربية. كانت تناقش الملفات الاخرى الممددة على الطاولة. لم تتوقع ان تصبح ملفاً على الطاولة وأن يُطلب منها عدم الدخول الى القاعة. أغلب الظن ان صورة المقعد الشاغر تركت جرحاً في نفس دمشق

للمرة الاولى تُخاطب الدول العربية السلطة السورية بهذه اللهجة وبهذه المفردات. لم تفعل ذلك يوم وقفت سورية ضد العراق في حربه مع إيران. ولا حين اصطدمت القوات السورية بالمقاومة الفلسطينية في لبنان. ولا حين كان لبنان يحاول الشكوى من اصرار سورية على إدارة شؤونه الداخلية. الصورة مختلفة الآن. ربما لأن المرحلة مختلفة، ومثلها المشكلة. لم تسمع السلطات السورية من قبل كلاماً عربياً يدين سلوكها تجاه شعبها، ويطالبها بوقف آلة القتل، ويُعلن سحب السفراء، وينقض روايتها الرسمية، ويتوجه مباشرة مخاطباً جيشها، ويرسم لها مهلاً للاستجابة، ويطالبها باستقبال مراقبين

حدث في الاجتماعات العربية ما هو اخطر من ذلك من وجهة نظر دمشق. تحلق العرب حول مبادرة واقترعوا لها. بدت سورية شبه معزولة لولا موقف لبنان «المهيض الجناح» وموقف اليمن الذي ينتظر «التوقيع والمغادرة» على حد قول احد المشاركين. اما العراق، فقد امتنع عن التصويت، مستشهداً بتجربة لبنان في اسلوب «ينأى بنفسه». أخطر ما في ذلك المشهد هو ظهور سورية بلا حلفاء اساسيين في العالم العربي، وتسليط الاضواء على ان إيران هي حليفتها الوحيدة في الاقليم. ضاعف المشكلة ان الانقلاب في المزاج العربي تواكب مع انقلاب في المزاج التركي

لم تعتد السلطات السورية على رؤية متظاهرين يجوبون الشوارع خلافاً لإرادتها. التظاهرات في سورية تتم تلبية لدعوة رسمية. تتحرك أحياناً بالايحاءات. يتم صرف النظر عن بعضها اذا كان الغرض ايفاد رسالة الى دولة اجنبية. لم تعتد ايضاً على رؤية شعارات تدين تقصير الدولة. او تشكك في الحزب. او تتذمر من وطأة الامن

امضت سورية عقوداً في ظل استقرار صارم. استقرار كامل يكاد يتصف بالقداسة. كل تعكير له يُعتبر مصدراً لشر كبير ومستطير. تكون الهيبة مطلقة او لا تكون. ثقب صغير في جدار الهيبة يمكن ان يستدرج العاصفة. لهذا لا تساهُلَ ولا تهاون. هزُّ الاستقرار مرادف للخيانة. وعقوبة الخيانة معروفة

لم تعتد السلطات السورية على رؤية خصم او منافس او شريك في الشارع. الشارع يتسع للاعب وحيد. لاعب اسمه الحزب ضَمِنَ الأمن حضوراً قوياً في مفاصله. كل محاولة لاقتطاع جزء من الشارع تُعتبر مؤامرة. تُعتبر إضعافاً للجبهة الداخلية المتراصة. تُعتبر ثغرةً تتيح لمن تعتبرهم متآمري الخارج إمساكَ اوراقٍ داخل الملعب السوري. وعلى مدى عقود، نجحت السلطات السورية في منع القوى الخارجية من امتلاك أوراق داخل اراضيها ووظفت الاستقرار الصارم لامتلاك أوراق على أراضي الآخرين

ادركت السلطات السورية ان مجرد التوقيع على مشروع بروتوكول استقبال المراقبين بالصيغة المطروحة، وبعد خسارتها مقعدَها وقبله معركةَ الشاشات، يعني انها خسرت الجولة الاولى او على الاقل لم تربحها. لم تعتد السلطات السورية قبول خسارات في الداخل. اعتبرت ان الجامعة طالبتها بما لا تستطيع قبوله. ردت بطلب تعديلات لا تستطيع الجامعة قبولها، تماماً كما هو الحال بين السلطات السورية والمعارضة. كل طرف يطلب من الآخر ما لا يستطيع قبوله. اننا امام مشاهد غير مسبوقة في ازمة مفتوحة. صار من الصعب على السلطات ان تتراجع بعد الأضرار التي لحقت بعلاقاتها وصورتها. صار من الصعب على المعارضة ان تتراجع بعد مشهد المقعد الشاغر والاحاديث عن «فوات الاوان». السلطة لا تقبل بأقل من انتصار على رغم تكاليفه. والمعارضة لا تقبل بأقل من اسقاط النظام على رغم تكاليفه. الابواب موصدة فعلاً، وهي كذلك منذ البدايات على رغم وجود من يعتقد ان الاسابيع الاولى كانت تسمح بخسارة محدودة تجنِّب سورية استقبال الزلزال او إطلاقه

الحياة – الإثنين، 21 نوفمبر 2011

http://international.daralhayat.com/internationalarticle/330980