الإرهاب مصدراً للشرعية – منار الرشواني

Article  •  Publié sur Souria Houria le 3 février 2014

لا يُطلق نظام بشار الأسد رصاصة واحدة على تنظيم « الدولة الإسلامية في العراق والشام » (داعش)، ناهيك عن قذيفة طائرة أو براميل متفجرة تُهيل أحياءً سورية كاملة على سكانها المدنيين. لكن هذا النظام لا يمل، في الوقت ذاته، من الحديث عن مكافحة الإرهاب وتنظيماته.

خلافاً لما قد يبدو للوهلة الأولى، فليس في موقف نظام الأسد أي تناقض؛ بل هو في الحقيقة تجسيد صريح وصادق لمصدر شرعيته الجديد والوحيد. وبما يكشف بالتالي، وهذا هو الأهم، عن تحالف الاستبداد والإرهاب وتكاملهما، صراحة أو ضمناً، وليس العكس أبداً.
فبعد ثلاث سنوات من الحرب، لا يُقدم الأسد للشعب السوري حلاً لنهاية المأساة إلا مزيداً من القتل والاعتقال والتعذيب والتدمير الشامل. إذ طالما أن ذريعة مواجهة إسرائيل وتحرير الجولان، ناهيك عن فلسطين، قد انكشف كذبها منذ سنوات طويلة جداً؛ كما تهاوت أسطورة التنمية والنهضة التي استبدلت بالدولة الأمنية والفساد، فإنه لم يبق من سبيل لبقاء هذا النظام إلا التلاعب بأدنى الغرائز، وهو « الخوف » من الإرهاب غير المنظم، بديلاً عن إرهاب الدولة المنظم الذي « تكيف » معه الشعب، مطوراً إزاءه خبرة نادرة!
باختصار، فإن الإرهاب ذاته، وليس مكافحته، صار المصدر الوحيد لشرعية نظام الأسد وأمثاله من أنظمة استبداد. وبناء على ذلك، يكون السؤال البدهي: هل يُعقل أن يكون هكذا نظام هو المؤتمن على مكافحة الإرهاب؟! وبعبارة أوضح، هل يُعقل أن يُقدم نظام الأسد فعلاً على الإطاحة بأساس شرعيته الوحيد، فيعود الناس إلى الالتفات مرة أخرى إلى المطالب الحقيقية والبدهية بالتنمية والحرية والعدالة، والتي يرفض النظام تحقيقها تحت أي ظرف من الظروف؟ بل إن نظام الأسد بالحلول الأمنية الوحشية التي ابتدعها وأصر عليها منذ اندلاع الثورة السورية سلمياً، إنما أراد في الحقيقة تعزيز الإرهاب، مع العمل في الوقت ذاته على إبقائه تحت السيطرة بحيث لا يهدد وجود النظام ذاته.
وفي انتخابات الرئاسة المقبلة التي يُصر بشار الأسد على خوضها، يمكن من الآن معرفة برنامج الرئيس الانتخابي، فهو لن يتضمن إلا بنداً واحداً: مكافحة الإرهاب! لكن مهما استتب الأمر للأسد، فعلينا توقع استمرار العملية الإرهابية « المنضبطة » و »المصطنعة »، بغية عدم السماح للناس في التفكير بأكثر من غريزة البقاء الأولى، والتضحية بكل حقوق أخرى هي من صنو إنسانيتهم. فلا مصلحة للنظام أبداً بعد اليوم في استئصال الإرهاب.
وللإنصاف، فإن نظام الأسد لم يكن سباقاً إلى الاستنجاد بشرعية إرهاب التنظيمات، إلا بعد أن سقط ركن شرعيته الوحيد مع اندلاع الثورة السورية، والذي تمثل طويلاً بشرعية إرهاب أجهزته الأمنية. فسابقة الاعتماد على شرعية الإرهاب يمكن إيجادها في نظام حسني مبارك الذي خسر مبكراً شرعية « مواجهة إسرائيل »، وشرعية التنمية. فكان أن لجأ هذا الأخير في نهاية أيامه إلى حقن مصر بالصراع الطائفي، والذي وصل حد تدبير أجهزته الأمنية ذاتها تفجيرات إرهابية بحق الكنائس المسيحية.
لم يعد استبداد الأسد وأمثاله مولداً للإرهاب بصورة عفوية، أسوة بكل أنظمة الاستبداد الأخرى. لقد بات صانعاً وراعياً للإرهاب، عن سابق تصور وتصميم، باعتباره مصلحة وأساس وجود.

http://www.alghad.com/articles/500616