الإمبريالي الصادق – أمجد ناصر

Article  •  Publié sur Souria Houria le 9 octobre 2014
نحن لا نصدِّق جو بايدن. إنَّه نائب باراك أوباما، رئيس أكبر إمبريالية اليوم، وليس جورج حبش، جيفارا، أو هوشي منه. وبما أننا لا نثق بالإمبرياليين، ولا نصدّقهم، معيبٌ أن نستشهد بهم، أليس كذلك؟

هذا حال قوى عربية، طاعنة في الممانعة، لم تصدِّق أن بايدن « بقَّ » جوهرته حول الأنظمة العربية التي تدعم الإرهاب (مع أن الأنظمة التي قصدها لا تخطو خطوة بدون علم واشنطن)، حتى راحت تتهافت عليها. قال بايدن، الإمبريالي! قوله عن الدول التي تدعم الإرهاب في سورية، فرفعته تلك القوى حجَّة، لا يمسّها الباطل، على أن ما يحصل في سورية إرهاب في إرهاب، وليس ثورة ولا من يحزنون، وبأثر رجعي، وصولاً إلى أطفال درعا الذين دغدغوا جلد النظام البليد ببعض الشعارات.

لو أن الأمر اقتصر على هذه الفترة التي غطت فيها « داعش »، قصداً، على أي وضع آخر، لربما قلنا مثلهم، أين هي الثورة السورية الآن؟ ومثلهم كنا لنقول (وقلنا مائة مرة) إنَّ « داعش » منظمة إرهابية، بربرية، ولو جاءتنا بـ « رأس كليب »، ولن تأتي به أصلاً. بيد أن الجماعة لا يتحدثون، في معرض رفعهم كلام بايدن إلى مرتبة الحجة الدامغة، عن اليوم. ليس عن « داعش » ولا « النصرة » ولا « أحرار الشام »، وإنما عن فكرة الثورة السورية، عن الدماء الأولى، عن الشبان الذين لم يرفعوا سوى أصواتهم، عن شعارهم أنَّ الشعب السوري واحد. ففي عرف الذين يستشهدون بكلام بايدن (يا سبحان الله!) لا يحتاج نظام الأسد إلى ثورة. فهو الثورة، وأيُّ ثورة على الثورة ثورة مضادة. وأي ثورة على الثورة مؤامرة، وأي خلخلة للاستبداد خلخلة لأسس المقاومة والممانعة ضد إسرائيل!

نعرف أيَّ مآلٍ وصلت إليه الثورة السورية، اليوم، وندرك أن التساؤل عنها، وجوداً وأثراً، مشروعٌ. هذا من حق السوريين أولاً، ومن حق الذين يساندونهم في صراعهم في سبيل الحرية الحقّ، والوطنية الحقّ، والمقاومة التي لم تنس أن لها أرضاً محتلة منذ سبع وأربعين سنة!

مآل الثورة السورية، حتى الآن، محزن. ولكنه متوقع. أيُّ قادرٍ على التفكير السليم كان يعرف أن بقاء الثورة السورية في العراء وقتاً طويلاً سيؤدي إلى مساراتٍ لم تكن في أصل الثورة، ولا في أساس شعاراتها الأولى. أيُّ واحد، ومن دون خبرة سياسية، كان قادراً على تخمين إمكانية تسرّب من لا علاقة لهم بالثورة، كما يريدها السوريون، إلى ساحتها. ليس جديداً هذا. فقد حصل، من قبل، في غير مكان. اخذل المعتدل يأتيك المتطرف. دع الذين يمكن أن تكون بينك وبينهم جسور مشتركة يأتيك من يقطع الجسور. هذه قاعدة، تقريباً، وسورية ليست استثناءً، حتى لو تكلمنا عن الطبع الشامي الميّال إلى الاعتدال وإقامة الجسور، وأخذ شيء إذا تعذر أخذ كل شيء.

كان يمكن أن لا يحدث كل ما حدث، في سورية، لو أن النظام استجاب لدعوات التغيير الأولى التي اعتبرها (بعدما رفضها) محقة بعض الشيء. لكن، هذا لم يحدث. وليس مهماً، الآن، السبب الذي جعل النظام « يركب » رأسه، فقد سالت دماء كثيرة تحت الجسر وفوقه، وليس بمقدور أحد استرجاع تلك اللحظة « الممكنة ».

بماذا يفكر النظام، الآن، وطائرات « التحالف » تحلِّق في سماء سورية؟ إذا كان الذين هرعوا لتحنيط كلمات بايدن عن الإرهاب هو ما يفكر فيه النظام، فلا أمل في حلٍّ سياسي، ولا أمل في أن يجد النظام السوري، وحلفاؤه، معارضةً تؤمن بمبدأ الطاولة أصلا. إذا كان هذا ما يفكر فيه النظام السوري، فهو لم يستفد من نحو أربع سنين من الدم والدمار والتهجير. فليس مهما أن نقول لبايدين « من لسانك ندينك »، بل ما هو استعدادنا للحفاظ على ما تبقى من حياة في سورية، الركن الركين لبقاء المنطقة.