الإمكانيات الثورية لجبل العرب في الألفية الثالثة – مانيا الخطيب

Article  •  Publié sur Souria Houria le 8 septembre 2011

قبل اقل من مائة عام من اليوم… قاد جبل العرب في جنوب سورية ثورة ضد الإستعمار الفرنسي شملت أرجاء سورية كلها … وكان الشعب وقادته المحليين حينها يعملون بتناغم وطني خلاق ..متجاوزين ومترفعين عن كل المحاولات اليائسة لزرع الفتن، تارة الطائفية وأخرى العشائرية وما إلى هناك استقلت سورية بعد ذلك وعاد كل إلى بيته … وأعطي زمام قيادة البلاد إلى من هم أهل لها بكل أناقة وحضارة ووطنية

يحكي التاريخ الحديث الذي ما يزال شهوده كثر ممن هم على قيد الحياة أن سورية عاشت مجداً ديمقراطياً فريداً من نوعه في المنطقة وإقتصادها كان من أقوى إقتصاديات كيف لا وهي البلد الغني كثير الموارد وشعبها سليل الإبداع والحضارة والذي أهدى الإنسانية الكثير
إلى أن تبدلت الأحوال وانقض العسكر على الحكم… وحولوا البلاد إلى طوارئ كادت تكون أبدية، والعباد إلى مخلوقات رهينة المحبسين، المحبس الأول هو نظام ديكتاتوري عسكري يبطش بكل ما يأتي أمامه والمحبس الثاني هو وضع إقليمي أتى بدولة جوار مصنعة في مختبرات إقتصادية دولية ….يتهم كل من يفتح فمه بالعمالة لها وربما بالجاسوسية..
نعود إلى جبل العرب وحاله اليوم بعد كل هذه العقود المريرة من الرعب والتهديد بالوجود … ونستذكر ما يخطر على البال من حكايا نسجت جداراً سميكاً يحجب الرؤية السليمة ويصيب بالعمى وبقصر النظر..نبدأ بقصة من لدن النظام نفسه ومن اشقاقاته  التحضيرية لاستلام الحكم والتي كانت من أسباب نكسة 67 وهي قصة الضابط سليم حاطوم ومن كان معه .. ثم بعد ذلك ما حدث مع عائلته، والتي تركت ما تركت من الجزع في ذاكرة الجبل عن هذا النظام، إلى حملة الإعتقالات لأسباب منها إنشقاقات البعث في الستينات ومنها حزب العمل الشيوعي في الثمانيات وإلخ
مروراً بذكريات حرب لبنان الأليمة التي لعب فيها النظام السوري الأدوار الرئيسية واستعمل فيها أيضاً الأفكار الدنيئة الرخيصة عن الأقليات وحمايتها في الحين أنه يحتمي بها وليس يحميها…. ثم بعد كل شيء … ترك فيها بعد زواج المتعة مع النظام الإيراني مولوداً يحمل جينات الوالدين المخيفة هو حزب الله،  ومازال الولد مخلصاً لوالديه إخلاصاً أعمى لدرجة يسقط فيها أهم خصائصه التي عرف شعوب المنطقة على نفسه فيها، وهي المقاومة والممان
 ليأتي الزمن التي تنكشف فيه العورات ويعرف أكثر شعب في العالم هو الشعب السوري الشعب الوطني الطيب المخلص أن الولد الذي استقبله ووضعه في قلبه قد وجه الطعنة الغادرة له واصفاً إياه بالخيانة .. عندما انطلق ذلك الشعب في ثورته البديعة من أجل الحرية ..  ولكن رب ضارة نافعة فالمحن هي أفضل الفرص لكشف الصديق من العدو
الآن … ومنذ ستة شهور ماا لذي يا ترى يدور في ذهن الناس في جبل العرب
والناس هنا أجناس فمنهم الزعامات الدينية، ومنهم رجالات النظام ومنهم من المثقفين والأكاديميين الذين قدموا دوراً مشرفاً متضامناً متجاوباً مع نداء الحرية … منهم العوائل العادية البسيطة التي أكثر ما تتمناه هو أن تبقى على قيد الحياة هي وأبناؤها… منهم المناضلين المفسلين الذين يمتلكون خطاباً معدلاً عن خطاب االنظام، يلعبون فيه على الحبلين هم يشكلون أكبر خطر على الحراك الشعبي، وأخيراً:  منهم ضعيفو النفوس والجهلة…. الواقعون تحت نفس تصنيف نظرائهم ممن جمعهم النظام حوله من كل طيف من أطياف المجتمع السوري من كل المدن والمحافظات والأرياف
أما بالنسبة لرجال الدين وهم مشايخ العقل الذي يقومون بما يريده النظام بالتمام والكمال بالتحالف مع « الوجهاء » من أمثال عبد الله الأطرش النائب الأبدي في مجلس الدمى السوري والذي لم يتوانى عن تنفيذ الدور المناط به وهو إلحاق أكبر أذى ممكن بأهل المحافظة .. من منا لا ينسى دوره بالأمس القريب في الأحداث التي حصلت في عام الألفين والتي كانت قصة عادية بين المزارعين وبين الرعاة من البدو التي تأكل خرافهم المحاصيل… والتي تحولت تحسباً من حدوث حراك شعبي ثوري، إلى مجزرة أودت بحياة ما يقارب ثلاثين يافعاً،  إلتف النظام الحاكم إياه على قصتهم المفجعة ليقوم بذلك التصنيف الدنيء أنهم شهداء من الدرجة الثانية ويدفع تعويضات لذويهم.. من أعطى أوامر إطلاق النار يومها، ألم يكن وزير الداخلية محمد حربا الذي كوفئ على جرائمه في أحداث حماة الأليمة بوضعه في منصب رفيع ليتابع جرائمه بشكل أكثر رسمية وهدوء ، من الذي أرسل دبابات الجيش يومها إلى الجبل، من أبقاها على طريق الرحى كفزاعة
تذكر ليل نهار بالمجزرة
الآن ومنذ ستة شهور … يقول بعض من أهل المحافظة لأنفسهم وهم يرون الترويع الذي يحصل في باقي المحافظات، اللاجئون، قصص اغتصاب النساء، قتل الأطفال، قطع الحناجر، تكسير الأصابع، الحصار، الرعب الهذيان، يقولون لماذا علينا أن نعيش نحن أيضاً كل هذا … يخافون ويستعمل النظام خوفهم بوقاحة ما بعدها وقاحة،  ليجعل الحثالات منهم ترقص على دماء أبناء الوطن ليلصقوا بنا عار تاريخي لن تتحمل الأجيال اللاحقة تبعاته وضريبته
ثم يأتي النظام بالتعاون مع شركائه في المحافظة من أولئك الذين لا يشكلون إلا عبئاً على ضميرها ومن هم على شاكلته من الأخلاق الوضيعة ليضعوا أياديهم في يد ذلك المحتال العفن وئام وهاب الذي لا يجرؤ على رفع رأسه في بلده من شدة قرف الناس منه ومن شدة بغائه،  يبيع نفسه للنظام ويذهب… ويا للعنة التاريخ والوطن،  ليروج ويبيع الأفكار المسمومة إياها التي استخدمت في حرب لبنان، وذلك لتمزيق المحافظة وبيعها هي وتاريخها بثمن بخس فقط وفقط لحماية نظام يعتقد نفسه أن يملك سورية ومن عليها ومحكوم بوهم الأبدية وبمرض جنون العظمة الذي يصور له الخلود ولا يعلم أنه ساقط ولا يبقى إلا الأرض والشعب وما هو إلا كابوس مر بهذه الأرض المقدسة
لدينا الآن الأمل إنه جيل الشباب… جيل الأنترنيت … حيث تلف الحقيقة الكون كله قبل أن تلبس الكذبة حذاءها
جيل لم تعد تنطلي عليه حيلة أن أموال البلد ومنها عائدات النفط تذهب إلى الجيش من أجل الممانعة والمقاومة في الحين أن حدود الجولان بقيت الحضن الدافئ الوثير لإسرائيل طيلة هذه العقود التي يعتلي فيها هذا النظام الحقير سدة الحكم في أجمل بلد وعلى أروع شعب..و يا للأسف
جيل رأى وسمع كيف تعيش بقية شعوب الكون، وأدرك المفارقات الكارثية التي عرفتهم، أنه أصبح في ذيل قائمة البشرية في كل معايير التنمية في ظل هذا العار التاريخي الذي نعيشه أن يحكمنا وريث معتوه قاصر، إنه لا يحكمنا فقط يجلس في كرسي الحكم ووالده المقبور يحكم من قبره بالحقد الذي حمله من عقد نقصه من كل ما هو حر وجميل
وعمل طول حياته ووضع من يعمل بالنيابة عنه بعد مماته على تشويه كل ما يمكن تشويهه أليس هو من ترك لبنان الكرامة والشعب العنيد مسخاً يتحكم فيه ابنه من زواج المتعة الآنف الذكر
أقول لكم يا أحبائي في جبل العرب أنكم ناس طيبون كرماء عندكم نخوة وأزعم أن لديكم من الرقي والثقافة والذكاء الفطري الكثير
هذا النظام العفن لا يحميكم بتاتاً بل يحتمي بكم ولأنه دنيء يستعملكم أداة رخيصة في يده لضرب أشقائكم من بقية المحافظات بكم، هل سألتم أنفسكم بأي وجه ستنظرون إلى عيون جيرانكم بعد أن يسقط النظام؟
أقول لكم مثلما كانت سورية منذ آلاف السنين بلد التعايش عندما تنتصر الثورة لا يخطر ببالكم أن من سيستلم الحكم هم المتطرفون الإسلاميون والذين ربما سيتعاملون معكم كما تعامل الشيشكلي
هذه الفكرة القميئة هي التي يستغلها النظام بالضبط ليس حباً بكم ولكن حفاظاً على بقائه لأنه يعتقد نفسه خالداً مخلداً وأنه سيحكم هو عائلته إلى أبد الآبدين ودهر الداهرين ولكنه خسئ فالتاريخ سيضعه في أسوأ موضع كما يليق بمجرم سفاح
انظروا كيف يختار الزعران من كل العائلة الواحدة ويسلطها على بعضها بأن يمد العون لهم لضرب إخوتهم
انظروا كيف أن أبناء البيت الواحد يجاكرون بعضهم أن أحدهم مع النظام بكل قذارته فقط للحفاظ على حياته والآخر يسير في المظاهرات المنادية بالحرية سمعت أن أحدهم يضع قناة الدنيا بوق النظام الرخيص على صوت عال عندما يزوره  إبنه الثائر
كان جدي المرحوم الذي حارب مع من حاربوا ايام الثورة السورية الكبرى ضد الإستعمار الفرنسي  يقول
 » بيكفي أنو حاكمنا منا وفينا »
أي أنه سوري وليس فرنسي، رحمك الله يا جدي أريد أن أقول لك أن هذا السوري لم يفعل شيء هو وأزلامه سوى تنفيذ أوامر أسياده من ذلك الإستعمار الذي حاربته وبقيت سنة كاملة في العراء في مغاور اللجاه الصخرية … الصخور نفسها التي تنتظر قاطنيها ليفهموا أن سورية هي لأهلها وليست ملك لأي عائلة عاثت بالبلاد فساداً وأنها هذا النظام زائل ولن يتبقى إلا الشعب والأرض فقط الشعب والأرض