الافتقار الى السياسية – سلام الكواكبي

Article  •  Publié sur Souria Houria le 30 juin 2013

 

بانتظار انعقاد مؤتمر جنيف الذي سيبحث بوثيقة روسية / أميركية للحل السوري، لم يفهم خباياها من وضعها قبل ان يفهمها من يراد منه أن يتبنّاها، يقوم كل طرف منهمك مباشرة بالمسألة السورية بمراجعة ملفاته وتحضير قراءاته وترتيب أفكاره وإثراء خبراته ووضع تصوراته وتجميع خبراءه وحصر نقاط ضعفه وتقييم قدراته وتبيان نقاط قوته، إلخ. آه، عفواً، ربما هذا الحديث هو عن حدث مختلف، أو عن تحضير حقيقي لمؤتمر « سلام » حقيقي. فواقع الشأن السوري يُشير إلى مشهد مختلف تماماً عن هذا التصور. فلنسدل الستار عن خشبة المسرح، ولنعد إلى صفوف المشاهدين الخارجين من عرضٍ فاشل يتبادلون التعليقات.

جنيف 2، يحضّر له الغربيون، أو بالأحرى، الأميركيون، من خلال السعي بكل السبل إلى عقده. وكفاهم الله شرّ البحث عن مقومات نجاحه. فهم نجحوا بإقناع الروس بأن يفرضوا عليهم تصورهم للحل. نعم، إنها جملة تحتاج للتفسير ليس لأنها معقدة، بل لأنها تنافي المنطق السردي. أعود: لقد نجح الأميركيون بأن يصلوا إلى اقناع الروس، وأخيراً، بأن يفرض الروس نفسهم على الأميركيين نفسهم رؤية الروس نفسهم للحل في سوريا نفسها.

إذاً، فالأميركيون بالانتظار، والشيطان في الانتظار، وليس في التفاصيل المفقودة. وفي حقبة الانتظار، « تنشط » دبلوماسيتهم، إن هي توافقت، على التواصل مع جميع الأطراف لإقناعها بإيجابية انعقاد المؤتمر من دون شرح مضمونه، مساره، مآلاته، مكوناته، إمكانياته، وما إلى ذلك من هذا الكلام الذي يغني ويفيد.

أما الأوربيون، فهم وضعوا المجيبة الصوتية مع موسيقاها الرتيبة في العمل للرد على كل التساؤلات السياسية الحقيقية. بالمقابل، فجزء منهم، كفرنسا وبريطانيا مثلا، لا ينفكون يلازمون نشاطات المجتمع المدني « الوليد » في سوريا من خلال برامج زيارات وندوات، علّها تسهم في تعزيز قدرات هذا المجتمع في بناء سوريا المستقبل التي ستنجم عن مؤتمر جنيف الذي لا علم لهم بمحتواه. وفي الآن ذاته، فهم يثبتون، أي الأوربيين، للمرة الألف، بأن لا سياسة خارجية موحدة لديهم، وهناك قطبين اساسيين، كما في الاقتصاد، هما فرنسا من جهة وألمانيا من جهة أخرى.

وألمانيا، التي تتمتع نظرياً بقدرتها على فهم المنطقة العربية بعيداً عن المنطق الاستعماري المترسّخ لدى نظرائها، ولكن في الممارسة العملية، فهي تخلط استشراقا باستشراق، ويُعزّز هذا الجانب في رؤيتها، وجود قوي في بنية سياستها الخارجية لمتلازمة الإسلاموفوبيا/أمن إسرائيل/العلاقات مع موسكو.

وفرنسا المشغولة بأوضاع اقتصادية واجتماعية لا تسرّ إلا العدو، فهي تعتمد في تسيير الملف السوري على قدرات خارقة لأشخاص بعينهم ما زالوا في قمة أداءهم بفضل البطاريات المديدة. أما الرؤية الشاملة، فهي متواجدة بإتقان لدى مستشارين متميزين، لا يؤثرون في سياسةٍ قرر القطب المتجمد الأميركي أن لا تستقلّ في أداءها وبأن تبتعد عن المبادرة.

بالتأكيد، فإن انعقاد مثل هذا الاجتماع في مكان رمزي كجنيف الوادعة، سيشجّع سياحة المؤتمرات في هذا البلد الذي لا يعاني، حتى إشعار آخر، من أزمة في السياحة المصرفية أو القمارية أو الاستجمامية التي تعوّدت عليها جموعٌ غفيرة من أغنياء العرب والعجم. وسيدفع بالمئات من الصحفيين إلى أروقة القاعات بحثاً عن صيدٍ ثمين من ابتسامة هذا المشارك أو نكتة ذاك الوسيط أو عبوس تلكم المندوبة.

وستتصدر جنيف خلال أيام المؤتمر، في حال انعقاده، صدر الصفحات الأولى كما تتصدرها اليوم مجريات بطولة ويمبلدون للتنس ومفاجآتها ولكن دون الإشارة إلى النتائج. وستنتشر الأقاصيص والأقاويل، ومن صافح من، ومن قبل من، ومن غمز من، ومن قرص من…

وفي هذه الأثناء، يحضّر النظام السوري ملفاته بدقة، فهناك عمليات عسكرية ساحقة ماحقة تجري في مناطق عدة، وهناك سلاح روسي يتدفق، وهناك موت واعتقال وتعذيب واختفاء قسري. وهناك وفد لا وزن له، سيشارك.

وأما المعارضة السورية، فلديها مهام جسام لا يمكن زعزعتها بالاهتمام بمثل هذه « الترّهات ». فهي تهنئ أمير دولة عربية صديقة بعبارات لا علاقة لها بأدبيات الدبلوماسية وهي أقرب إلى أدبيات الأعراس. وهي تتشاور لتوسيع تمثيلها. وهي تتحاور لتختلف على برنامجها غير الموجود. وهي تناور وتتحالف وتفك التحالف وتتهم.

والشعب السوري، رغم الألم والدم والانتظار، يستعيد اغنية ربما تقول مقدمتها : يا حرية يا بعيدة، تعي لعند الصبي، كذبي شوي وتعي، تا يضحك الصبي……