الباحث السوري ونائب مدير مبادرة الإصلاح العربي سلام الكواكبي لـلصباح

Article  •  Publié sur Souria Houria le 28 mars 2013

 حاورته: وفاء بن محمد – سنتان انقضتا على اندلاع الازمة في سوريا، وما تزال رحى الحرب الأهلية تطحن العشرات من القتلى يوميا، وحصدت حتى الآن ما يفوق 70 ألف قتيل،عدى المفقودين والمعتقلين والذين تجاوز عددهم الـ250، فيما تخطى عدد اللاجئين حاجز المليون موزعين ما بين تركيا ولبنان والعراق والأردن ومصر. 

 للوقوف عند حقيقة ما وصلت إليه الأوضاع وتبيٌن ابرز ملامح المشهد السياسي المستقبلي في المنطقة، تحدثت « الصباح » إلى الباحث السوري في العلوم السياسية ونائب مديرمبادرة الإصلاح العربي سلام الكواكبي. 

وفي ما يلي نص الحديث:

 * وسط التجاذبات السياسية بين اطراف الصراع في سوريا غابت الحقيقة التي تعكس الوضع، فهل لك ان تقدم لنا صورة واضحة لما يجري في سوريا حتى الساعة؟

– الثورة السورية ليست من صنع أحد، بل هي انتفاضة شعبية نهضت ضد الظلم والتمييز والاستبداد والفساد بعيداً عن الأحزاب والأيديولوجيات، وحتى لو كانت كتلتها الرئيسة تنتمي إلى الإسلام بصفته دين الأغلبية، فهي تنطوي على تنوع وتعددية لافتين، فإلى جانب العرب والأكراد والشراكسة والتركمان والآشوريين، هناك مشاركة متفاوتة تبعاً لكل منطقة من مختلف الطوائف والمذاهب.

وبعد ستة أشهر من المظاهرات السلمية، وباعتراف النظام نفسه، وبعد سقوط آلاف الضحايا وتجذر القمع الدموي، جرت عسكرة الانتفاضة لحماية المدنيين العزل ومن ثم تحولت العسكرة بتأثيرات عدة متشابكة إلى مواجهة قوى المولاة. وفي مجال اللجوء إلى السلاح، تتعدد الاجتهادات من محذر أو رافض أو داعم، ولكن المهم القول أن أكثر من مليون سوري لجؤوا إلى الخارج، وأكثر من 3 ملايين نازح داخلي هدمت منازلهم نتيجة القصف الجوي وغيره، وهناك بنية تحتية شبه مدمرة وعشرات الآلاف من المعتقلين ونسيج اجتماعي محطم وسعي حثيث لإشعال الفتن الطائفية والمذهبية لم ينجح حتى الآن ولكن المؤشرات تدل، وللأسف، على احتمال وقوعه قريبا ما دامت المذبحة جارية على قدم وساق.

من هي الاطراف المسؤولة عن اندلاع الازمة في سوريا حسب رايك؟

– الأزمة كامنة كما في كل البلدان العربية من المحيط إلى الخليج. أنظمة مستبدة تحتكر المجال العام وترمي بمعارضيها في السجون وتعيث في الارض فساداً محيلة اقتصاد الدولة إلى مصدر ريع خاص بالأسرة وبالمجموعة الحاكمة، وليس خصوصية سورية.

عديد المحاولات السياسية جرت من جانب المعارضة السياسية لفتح حوار وإجراء اصلاحات سياسية دون إحداث تغيير في قمة النظام، كما حصل في ربيع دمشق بداية الألفية الثانية، وفي إعلان دمشق للتحول الديمقراطي فيما بعد. لكن كل هذه المبادرات جوبهت بقمع سياسي عنيف وبسجن رموزها. وأدى تعنت النظام وسطوة العقلية الأمنية في معالجته للاحتجاجات، إلى تطور المواجهات والانتقال بسوريا من الاحتجاج السلمي إلى حالة من النزاع المسلح.

بالمقابل، لا يجب اغفال العمل السلمي الاحتجاجي المستمر والذي تعتم عليه وسائل الإعلام العربية والأجنبية لأسباب مختلفة. وفي النهاية، يُسأل عن العنف من يحتكره قانونياً، وهو الدولة أو السلطة الحاكمة.

إن مواجهة المظاهرات السلمية بالرصاص الحي والرشاشات وبراميل المتفجرات التي تلقى من المروحيات، واعتقال وتعذيب الآلاف، هوالأساس في فهم دموية الصراع القائم في سوريا اليوم.

* كيف يبدو لك موقف البلدان العربية تجاه الوضع في سوريا لاسيما موقف بلدان الربيع العربي؟

– الحكومات العربية لا موقف مبدئي لها يذكر، عكس شعوبها، خصوصاً فيما يتعلق بحقوق الشعب السوري، وكل مواقفها مرتبطة بمصالح ضيقة أو أجندات إيديولوجية. عديد من البلدان، في دعمها النظري للثورة، تحاول درء مخاطر امتدادات الاحتجاجات إلى انظمتها البعيدة عن الديمقراطية، وهي تحاول من خلال الدعم المشروط، السيطرة على تطور العملية الثورية. في المقابل فإن بعض البلدان التي ما زالت تدعم النظام، إما أنها ذات أنظمة شبيهة تدمج الأمني بالعسكري بالفساد الممنهج، أم أنها فاقدة للسيادة نتيجة سطوة الأجهزة الأمنية السورية على قياداتها، أم ترتبط بمخطط إقليمي إيراني يسعى إلى إجهاض التغيير في سوريا بانتظار الثمن المناسب.

أما بلدان الربيع العربي، فهي منهمكة في عملية التحول والتغيير والثورة المضادة والاستئثار بالسلطة والخيبة والأمل، وبالتالي، فهي وعلى الرغم من تضامنها العلني مع ثورة السوريين، إلا أنها بعيدة بعض الشيء عن الخوض في مواقف واضحة، خصوصاً أن بعض القوى السياسية المعارضة للحكومات القائمة تستغل المسألة السورية للهجوم على من هو في الحكم من زاوية دعمه لثورة غير واضحة المعالم، ويتهمها بعض القوميين العرب – بعيداً عن المبادئ القومية التي طالما انخرط فيها المواطن السوري ودافع عن قيمها في كل المناسبات، إضافة إلى اليسار البافلوفي، الذي يخون الفكر اليساري النقي الذي طالما دافع عن حقوق الشعوب المستضعفة والثائرة – بالعمالة للغرب ولدول الخليج وربما لأهل المريخ أيضا.

وبالمقابل، تقوم بعض الجهات الحاكمة الجديدة بدعم لفظي للثورة بهدف إحراج خصومها السياسيين وتبيان تناقضاتهم الأخلاقية.

وبالنتيجة، يبقى السوريون موقع تجاذبات سياسوية واستغلالات ضيقة النظر بين قوى سياسية متناحرة لا تجد حلولاً منطقية لمشاكلها الداخلية، فتمتطي المشهد السوري إما سلباً أو إيجاباً. والسوريون في معضلتهم الإنسانية ومأساتهم اليومية بعيدون عنها ولا يأملون يوماً بأن يؤثروا فيها.

مارايك في توافد الآلاف من شباب المنطقة العربية على سوريا للجهاد؟

– المبالغة موجودة في كل حديث عن الثورة السورية، والنفي يعتبر أيضا ممجوجاً. هناك عدد غير محدد وقابل لكل التأويلات من الشباب العربي المتطوع في القتال الجاري في سوريا ولهذا أسباب متعددة ليست كلها دينية. وهناك تصريحات عديدة من قيادات المعارضة تدعو إلى الحد من هذه الظاهرة لأسباب انسانية ووطنية. وعند النظر إلى مجمل الصورة يتبين كم أن الموضوع هو جزئية.

وهذا لا يعني غض النظر وتجاهل الواقع. إنما من الأفضل أن تدعم المعارضة السياسية بالإمكانيات المعقولة لكي يكون لها تأثير حقيقي على القوى المسلحة ودرء من له مصالح تتجاوز المصلحة السورية. وحقيقة، يعتبر هذا الأمر معقداً وجدلياً، فالكثيرون يرفضون الخوض فيه لأنهم يقدرون مساعدة هؤلاء الشبان، بغض النظر عن أية خلفية إيديولوجية، لشعب تخلى عنه العرب والغرب بصورة لا تجد تفسيراً إلا في روايات اللامعقول.

ولكن هناك بعض الشبكات التي تتاجر بالبشر ويمكن ان تستفيد ايضا من المساحة المتاحة، إن الانتظار والترقب هما مفتاحا تدهور هذه الظاهرة، وعلى الحكومات المعنية أن تسعى إلى إجهاض الاستغلال غير المشروع للبعض من شبابها.

السوريون لديهم من الهموم ما يكفي لكي تتم مطالبتهم الآن ايضا بأن يجدوا حلولا لهذا التحدي.

كيف تفسر دعم ايران وروسيا و »حزب الله » لنظام الاسد، هل لهذه البلدان مصلحة إيديولوجية مع النظام؟

– لكل منهم أجندته المختلفة. مبدئياً، يجب القول أن إيران تراهن على الملف السوري في إطار مفاوضاتها على ملفات أخرى في المنطقة وفي إطار محاولتها المحافظة على نافذتها المتوسطية ومواجهتها مع قوى إقليمية أخرى صاعدة كتركيا.

إضافة إلى أن الملف السوري مناسب تماما في مواجهاتها مع السعودية في منطقة الخليج. وأميل لاستبعاد العامل الديني أو الإيديولوجي وأعتبر أن العلاقة بين النظامين هي زواج متعة بعيد كل البعد عن الزواج الكاثوليكي الدائم. وللإشارة فإن الإيرانيين أجروا اتصالات على مستويات متعددة بقيادات المعارضة السورية السياسية لتلمّس المستقبل وموقع إيران في الخريطة السورية الجديدة. بالمقابل، الحنق الشعبي عالي جدا، ومن مختلف المكونات الطائفية والأثنية، على السياسة الإيرانية الحالية وعلى دعم طهران غير المحدود لآلة الموت اليومي.

من جهة روسيا، يجب الاعتراف بأن تهميش الروس منذ انهيار الاتحاد السوفياتي من قبل الغرب في الملفات الدبلوماسية الدولية أشعر هذه « الامبراطورية » بحنق سياسي شديد. ولقد استبعد الروس منذ التسعينات عن كل الملفات الحساسة من العراق إلى افغانستان إلى البلقان إلى ليبيا، وأضف إلى ذلك تعزّز الشعور لديهم بمحاولات التمدد الأطلسي في مناطق نفوذهم كآسيا الوسطى وسياسات الدرع الصاروخي وتهديدات فقدان أسواق الطاقة…

كلها عوامل دفعت الروس إلى التمسك بما اعتبروه آخر أوراقهم الإقليمية. إنهم في عملية مقايضة شاقة وهم يعتقدون بأن لا مستقبل لاستمرا النظام القائم، ولكن الثمن المعروض عليهم غير كافٍ بوجهة نظرهم. أما آلاف الضحايا، فمنذ متى اهتمت القوى الدولية، غرباً وشرقاً، بهذا التفصيل ؟

يتحدث الكثيرون مؤخرا عن جملة من الخروقات والانتهاكات من جانب المعارضة السورية، ما رأيك؟

– تحصل بعض الانتهاكات من قبل قوى الثورة المسلحة التي يغلب عليها العنصر المدني على الرغم من وجود عدد لا بأس به من العسكريين المنشقين في صفوفها. في حالة الفوضى العارمة وتمزق النسيج المجتمعي وتدخل قوى إقليمية ودولية في عملية شراء الولاءات والسيطرة على مجريات الأمور، يزدهر الغموض وانعدام المسؤولية.

ومن المهم الإشارة إلى وجود مجموعات لا تمت للثورة بصلة وتمارس أعمالها اللصوصية والعنفية باسم الثورة وإدانتها مسؤولية أخلاقية لقوى الثورة الحقيقية قبل أي اعتبار سياسوي آخر، ولكن المبالغة أيضا في طرح هذه الظواهر لا تفيد، فمن الواضح تنبه غالبية القوى الثورية إلى ضرورة الالتزام بمواثيق شرف تمنع الانتهاكات. وتلاحظ أنشطة متعددة وبمشاركة واسعة، للإعداد لقانون العدالة الانتقالية، الذي سيضع الجميع أمام مسؤولياتهم القضائية عاجلا أو آجلا. بالطبع، القانون سيلاحق جرائم الحرب والانتهاكات الخطيرة التي قامت بها الأجهزة السلطوية، ولكنه لن يغفل عن الانتهاكات التي تتم باسم الثورة. هكذا يرغب صانعوه…

بعد انقضاء عامين من الازمة، كيف تبدو لك ملامح المشهد السياسي في المنطقة؟

– المنطقة على فوهة بركان خليط من المطالب الاجتماعية والعصبيات القومية والدينية وتدخلات القوى الاقليمية والدولية، والمسؤولية المحلية في كل ما يجري في البلدان المعنية هي الأبرز على الرغم من سهولة تحميلها لقوى خارجية.

وبالمقابل، فتقدير مدى تأثير هذه القوى الخارجية بطريقة منطقية ضروري خصوصاً في هذه المرحلة العصيبة. إن اعتبار بعض القوى الليبرالية بأن الثورات أو المسارات الثورية قد أتت بالقوى الدينية إلى مقدمة المشهد يعتبر تحليلا بسيطاً أو ساذجاً. فهل أتت الثورات بهذه القوى من المريخ؟ أم أنها كانت تنمو باضطراد في ظل القمع الدموي والفساد المستشري؟ والبعض من هذه القوى الليبرالية يتحمل مسؤولية في هذا النمو غير الطبيعي لأنهم وقفوا في أحسن الأحوال متفرجين وصامتين طوال عقود متلظين بالاختلافات الإيديولوجية. العامان الماضيان أوضحا للجميع أن المشاركة السياسية والتوافق الاجتماعي هما السبيل للخروج بالبلاد من عنق الزجاجة. إن استمر التقوقع وكيل الاتهامات ورؤية الخطأ في الجانب الآخر فقط، فعلى طموحات الشعوب بالحرية والكرامة والشغل السلام.

http://www.assabah.com.tn/article-86354.html