الثورات تفتح طريق النقاش بين جيلين؟ – بيسان البني

Article  •  Publié sur Souria Houria le 16 février 2012

فاجأ ابن الخامسة عشرة والده قائلاً: «أقوم ورفاقي بتأسيس تيار سياسي للمشاركة في الحياة العامة». «الطموح» الذي عبّر عنه سالم بكثير من البراءة والجرأة في آن، أعاد إلى ذهن والده «مأساة» حياة سياسية عاصرها مع من طمح من رفاقه للعب دور ما أو إبداء رأي في السياسات العامة. السياسة في شباب «أبو سالم»، كانت اللعبة الخطرة والمؤلمة في آن. ويوضح: «كان مقهى الجامعة يضج بالحوارات والنقاشات الصاخبة. الطاولات مقسمة بين الجماعات الحزبية على اختلافها، طاولة لكل تيار، هنا للشيوعيين وهناك للقوميين وهنالك للإسلاميين… كنا منظمين وننتمي لأحزابنا انتماءً مقدساً، أكثر من انتمائنا لعائلاتنا وأكثر من اهتمامنا بعلمنا ودراستنا… إلى أن فتك بنا الظلم»

مرحلة خصبة عاشها أبو سالم ورفاقه، انتهت بقمع قاسٍ، فمن الرفاق من اعتقل سنوات طويلة ومنهم من مات ومنهم من هاجر إلى غير رجعة، ومنهم من جبرته الظروف القاسية على ترك السياسة نهائياً والالتفات إلى همّ الدراسة والعمل والحفاظ على العائلة. هو جيل قديم صنع رموزاً لا تُنسى، دافع عن الحرية والكرامة الإنسانية، بطرق كثيرة بقيت خفية أو مغمورة في الزمن الصعب، حيث السياسة خط أحمر وعواقبها تعني ببساطة عمراً زائلاً

جيل الرمز والانتماء والقومية تأرجح بين احتمالين لا ثالث لهما إما النضال الباهظ التكلفة أو الصمت المطبق عن حقوق المشاركة. هو جيل الأحزاب والاعتقال والمبادئ والرفاق والخبز والفقر ولينين وغيفارا ومحمود درويش ونيرودا وغيرهم… يقف اليوم أمام جيل جديد لا يعترف بتقديس الرموز والقضايا، بل يحترمها بجدل وتمتد حدود الإنسانية عنده إلى ما لا نهاية، جيل جديد تدور حوله المتغيرات لا الثوابت ليصنع اليوم بيديه التغيير في أكثر من بلد عربي بكل تضحية ومسؤولية

احترام حق الاختلاف

عاش جزء من أبناء هذا الجيل معاناة خاصة نتيجة انخراط آبائهم في العمل السياسي، منهم كثيرون ورثوا «حذر التدخل في الشؤون العامة» و «الاعتراض على أي حقوق منتهكة»، وبعضهم دفعه اليأس للتفكير بصنع مستقبله خارج حدود الوطن حيث القانون والحرية… إلى أن وجد هؤلاء متنفساً في زهور ربيع عربي. أفكار جيل جديد يحمل عزماً جديداً، مثقلاً بقهر الآباء، شجّعته معاناته على المسارعة للمشاركة فوراً والتعبير عمّا تراكم سنوات طويلة من الصمت… وكأنه كان يدوِّن ملاحظاته بهدوء بانتظار اللحظة المناسبة، ويدافع عن مسلمات كثيرة منها حقه بالحياة والكرامة

يلعب الشباب دوماً دوراً كبيراً في التغيير، وشكّلت حماستهم محركاً لكثير من الثورات والتطورات السياسية، ومنها محطات نوعية شهدتها سورية في الستينات. وفي المرحلة الحالية يجد الجيل القديم نفسه مضطراً للحاق بركب الأجيال الجديدة، حتى تكنولوجياً بعد أن فرضت وسائط التواصل الاجتماعي الإلكتروني نفسها بقوة وفاعلية على ساحة التغيير. وباتت الأفكار والإبداعات تعمّ بعيدة من الشوائب والموروث المرضي

يسيطر الهم العام على كثير من أبناء الأسر السورية، فيجد معظمهم طريقه للمشاركة في الأحداث، إمّا من خلال الانضمام للتحركات على الأرض حتى لو كان الثمن الموت أو الاعتقال، أو عن طريق التعبير عبر وسائل العالم الافتراضي، وإطلاق مبادرات سريعة لنشر الأخبار والشعارات ومناقشة المواقف السياسية المتباينة. وتتحول أسماء كبار المعارضين والمؤيدين، مثار جدل وتأييد أو تحفظ أو رفض قاطع… كأن الزمن أزهر أخيراً «احترام حق الاختلاف»، وكشف وعياً جديداً وقدرة على تجاوز كل الاتجاهات والاصطفافات التي كرستها الأيديولوجيات القديمة

وبين كهل من جيل الستينات وشاب من جيل التسعينات يبدو الحوار متذبذباً وشائكاً، بين حنكة فكر تربى على روايات النضال والثورات وعايش أيديولوجيات وعصبيات وأحداثاً عميقة وعانى ظلماً وقمعاً كبيرين، وبين بساطة عقل تربطه بأقطاب العالم كافة نافذة صغيرة يعبّر من خلالها عن أفكاره من دون تنقيح أو خجل. ويقول أبو سالم: «لم نكن نجرؤ على طرح أفكارنا الجديدة، أو تحدي قياداتنا بل كان التزامنا ممزوجاً بطاعة عمياء. أشعر بالفخر عندما أرى هذا الجيل قادراً على التعبير عن رأيه بكل ما يدور حوله، متجاوزاً هواجس ومخاوف طالما كبّلتنا»

كبُر الجـــيل الصغـــير ولمس حريته، وتفجرت طاقاته التي كانت متقـــوقعة، محصناً بركائز صنعها التاريخ النضالي للجيل الأقـــدم، ركـــائز يستند إليها بعفوية ويستمد منها من حيث يدري أو لا يدري، القوة والعزم. ركائز باقية معه تعينه على مطبات هذا الزمن المتغير، كيف لا، والماضي ذاكرة تعني الجميع، مثلما الغد الآتي هــو مسؤولية الجيلين معاً

الحياة – 2012-02-16

http://www.daralhayat.com/internationalarticle/362917