الحصاد الروسي من كييف إلى دمشق – منار الرشواني

Article  •  Publié sur Souria Houria le 24 février 2014

كما الحال في كثير من البلدان العربية، يوجد في أوكرانيا من يُعرفون بمسمى « الأفغان » الأوكرانيين، والذين حصلوا على هذا اللقب بسبب قتالهم في أفغانستان أيضاً إبان الغزو السوفيتي، إنما ضمن صفوف « الجيش الأحمر ». وبخلاف « الأفغان العرب » أيضاً المتهمين بالإرهاب، يتمتع « الأفغان الأوكرانيون » باحترام شعبي كبير، بحيث كانت استمالتهم وكسب تأييدهم محل صراع بين الرئيس الأوكراني (السابق) فيكتور يانوكوفيتش ومعارضيه خلال الأزمة الأخيرة، والتي وصلت حد سيطرة المعارضة على العاصمة كييف، وعزل يانوكوفيتش من قبل البرلمان، أول من أمس.
مع ذلك، فإن روسيا في سياق دفاعها عن نظام حليفها يانوكوفيتش الفاسد والمستبد، لا تتردد أبداً في استحضار الخطاب ذاته الذي تستخدمه منذ سنوات لتأييد نظام بشار الأسد، الأكثر فساداً واستبداداً، وهو: الترهيب من الإرهاب! مع تعميم هذه التهمة، بالضرورة، على كل المنتفضين الأوكرانيين، كما يتم تعميمها فعلاً على كل الثوار السوريين. لكن فيما يتم الحديث عن الإرهاب الإسلامي في سورية، تلجأ موسكو إلى الإرهاب اليميني في أوكرانيا التي يشكل المسيحيون على اختلاف طوائفهم نسبة 96.1 % من سكانها.
وكما في سورية تماماً، لا يحاول هذا الخطاب ستر تناقضاته الفاضحة في أوكرانيا. إذ فيما يروج الروس، تحذيراً للغرب، أن منتفضي أوكرانيا هم نازيون، يذهب إعلام يانوكوفيتش إلى تعبئة أنصاره بأن قادة اعتصامات المعارضة ليسوا إلا النقيض، أي المواطنين اليهود (والذين لا يشكلون في الواقع سوى 0.6% من سكان أوكرانيا). وهو ما يذكر تلقائياً بخطاب روسيا والأسد المحذر للغرب أيضاً من أن السوريين لم يثوروا رغم كل الاستبداد والفساد وتدهور كل مؤشرات التنمية على مدى عقود، وأن الثائرين ليسوا إلا « القاعدة » الإرهابية التي ستهدد أميركا وأوروبا. وهو خطاب لا يلبث أن ينقلب إلى نقيضه تماماً عند التوجه إلى الداخل والعالم العربي عموماً، بالحديث عن أن الثورة السورية هي محض مؤامرة أميركية-صهيونية خالصة ضد محور المقاومة والممانعة!
في مقابل كل ذلك، يمكن في الحقيقة « افتراض » علاقة أكثر منطقية وصدقية بين أوكرانيا يانوكوفيتش وسورية الأسد، ترتبط فعلاً بالراعي المشترك؛ روسيا. وتتمثل هذه العلاقة في إدراك الأوكرانيين، بناء على الدعم الروسي غير المشروط للأسد، المدى الذي يمكن أن تذهب إليه موسكو في التنكر للديمقراطية ومحاربة الفساد؛ وصولاً إلى دعم يانوكوفيتش، كما تم في حالة الأسد فعلاً، بكل ما يلزم لمواصلة سياسته، بكل الوسائل ومهما غلا الثمن. والحقيقة أن هذه العلاقة قد أقامها صراحة أحد المتظاهرين اليوم في فنزويلا ضد حكم الرئيس « الثوري » نيكولاس مادورو موروس؛ بتعبيره عن الخشية من تحويل الرئيس الفنزويلي المؤيد للأسد، كما لروسيا طبعاً، بلاده إلى ساحة مذبحة مماثلة لسورية، ما يستدعي سرعة التحرك ضد الاستبداد.
لكن بعيداً عن المزعوم والموهوم والمتخيل والمفترض، يظل القاسم المشترك المؤكد بين أوكرانيا وسورية، كما فنزويلا وسواها، هو إصرار الشعوب على حريتها وحقها في العيش بكرامة في أوطانها. وهو ما يجعل مؤكداً أيضاً أن روسيا بسياستها الحالية إنما تكسب، لبعض الوقت، أنظمة مستبدة فاسدة لا بد زائلة، فيما تستعدي بالنتيجة، وإلى أمد ومدى غير معلومين، الشعوب الباقية.