« الربيع » وفلسطين.. والانتحار الطويل – منار الرشواني

Article  •  Publié sur Souria Houria le 19 janvier 2014

بناء على الحماسة الأميركية على الأقل، تبدو « تسوية » الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي اليوم، أقرب من أي وقت مضى؛ إنما وفق معطيات على الأرض يتفق الجميع، بلا استثناء تقريباً، على أنها ربما تكون الأسوأ فلسطينياً وعربياً مقارنة بكل مراحل الصراع العربي-الإسرائيلي. ويوازي هذا الإجماع على تشخيص الواقع المتردي والمنهار، إجماع أيضاً على أسبابه، أو سببه الوحيد في الحقيقة، وهو: « الربيع العربي ».
بالاستماع إلى وجهة نظر أعداء « الربيع العربي » أنصار الأنظمة المستبدة، يخيل للمرء أن جيوش الأنظمة القومية « الممانعة » خصوصاً، كانت تزحف لتحرير فلسطين، قبل العام 2011؛ فلم يوقفها على مشارف القدس، بل وحتى يافا وحيفا وعكا، إلا ذاك الربيع/ المؤامرة! كما أن مستوطنة صهيونية واحدة لم تبن منذ العام 1967 على الأقل، وكل هذا الاستيلاء على الأراضي الفلسطينية وتهجير أهلها، إنما تم على يد « مارد » الربيع العربي الشيطاني في أقل من ثلاث سنوات فقط!
وإذا كانت إسرائيل توشك الآن أن تحصد الاعتراف بما أمكن لها زراعته ورعايته بفضل عقود الاستبداد التي أفضت أيضاً إلى « الربيع العربي »، فإن حتى مثالية هذا الحصاد لا تُعزى إلى هذا « الربيع » ذاته، بل إلى أسلوب الرد الرسمي عليه؛ بارتضاء أنظمة وإصرارها على استنزاف الشعوب والجيوش والموارد، فقط لأجل استمرار المستبدين الفاسدين في سدة السلطة. يكفي التذكير هنا أنه عشية انتصار الثورتين التونسية والمصرية مطلع العام 2011، بادرت مجموعة من السياسيين والعسكريين الإسرائيليين السابقين، في نيسان (أبريل) 2011، بينهم داني ياتوم الرئيس السابق لجهاز « الموساد »، وياكوف بيري الرئيس السابق لجهاز « شين بيت »، إلى إطلاق ما سمي « مبادرة السلام الإسرائيلية »؛ والتي تدعو إلى إقامة دولة فلسطينية على ما يقرب من كامل الضفة الغربية وقطاع غزة، تكون عاصمتها جزءا كبيرا من القدس الشرقية، إضافة إلى انسحاب إسرائيل من مرتفعات الجولان. لكن مثل هذه المبادرة تبدو الآن أقرب إلى الخيال والخرافة فقط بفضل قتل « الربيع العربي، بالإجهاز على العباد والبلاد على يد الحكام ذاتهم؛ فممن تخشى إسرائيل، ومع من تسعى إلى تحقيق « سلام »؟!
بالنتيجة، كان « الربيع العربي » فرصة لإيقاف انتحار جماعي امتد عقوداً بفضل الاستبداد وحده؛ لم تتوقف خسائره عند فلسطين والفلسطينيين، والصراع العربي-الإسرائيلي عموماً، بل وكذلك تضييع عقود من التنمية على كل صعيد، اقتصادياً وثقافياً وسياسياً، وشواهد التراجع والتخلف في عهد الاستبداد أكثر من أن تحصى.
عند هذا الحد، فإنه إن كان هناك من يريد مواصلة تصوير « الربيع العربي » على أنه مؤامرة، فإن هذا الأخير يكون كذلك فقط بالنظر إلى استجابة الأنظمة المستبدة لمطالب الشعوب العربية المحقة والمتأخرة جداً. فمن نفذ المؤامرة، على الفلسطينيين وسواهم ليس الشعوب الثائرة أبداً، بل كان رهان المتآمرين على الممسكين بالسلطة، وقد ظن هؤلاء المتأمرون، عن حق، أن المستبدين لن يتخلوا حتى عن بعض مكاسبهم، ناهيك عن مناصبهم، ولو كان الثمن شعباً كاملاً ودولة بأطرافها الأربعة!