العزلة… لسحق الانتفاضة – وليد شقير

Article  •  Publié sur Souria Houria le 7 octobre 2011

يتجه نظام الحكم في سورية الى التشبه بدولة كوريا الشمالية، غير آبه بشبه العزلة الكاملة التي يتعرض لها في العلاقة مع محيطه ودول العالم، لأنه يثق على ما يبدو بقدرته على الصمود أمام هذه العزلة، مهما كثرت العقوبات الغربية وتصاعدت، ومهما تواصلت حركة الاحتجاج الداخلية ضد النظام، والذي وضع المجلس الوطني السوري الذي تشكل في اسطنبول مطلع الأسبوع هدفاً له هو إسقاطه

وبقدر أوجه التشابه الموضوعي بين البلدين، هناك أوجه تمايز في موقع كل منهما من تأزم علاقاتهما مع دول العالم. إذ إن دمشق مثل بيونغ يانغ تتمتع بنظام أمني حديدي تدعمه عقيدة سياسية متشددة، وتحميه امتيازات تتمتع بها قلة. وعلى رغم الانشقاقات المتفرقة في الجيش السوري، فإنه مثل الجيش الكوري الشمالي، يقف بصلابة، حتى الآن، وراء الحكام ويدافع عنهم. ويتشابه البلدان أيضاً بأن لدى كل منهما صعوبات اقتصادية بنيوية كبيرة. وهما يتمتعان بدعم روسيا والصين في مواجهة الغرب وعدد من الدول الأخرى، المحورية، مثل إيران وفنزويلا… على رغم ان الدعم الإيراني لدمشق هو مسألة مصيرية للأخيرة ولطهران معاً، وهو دعم استثنائي على كل الصعد

لكن أوجه التمايز كثيرة أيضاً: في كوريا الشمالية ليس هناك من حراك داخلي على الإطلاق مقارنة مع ما تشهده سورية من انتفاضة شعبية قلّ نظيرها، يتصف القائمون بها في الشارع بشجاعة نادرة في مواجهة آلة القمع. وهي معارضة بات لها من يمثلها، ويمكن الدول المعنية مخاطبتها، بعد إعلان المجلس الوطني

وبهذا يتخطى التأزم الدولي في العلاقة مع سورية الأسباب الخارجية، الموجودة أصلاً، الى العوامل الداخلية، وفي المقابل، فإنه بقدر وجود قرار دولي بعقوبات ضد كوريا الشمالية، فإنه ينحصر بمسألة البرنامج النووي، فيما استحال حتى الآن تدويل العقوبات الغربية على سورية على رغم صرامتها وفعاليتها في التأثير في الاقتصاد السوري، مع انه زراعي يمكنه من شبه الاكتفاء الذاتي، خلافاً للاقتصاد الكوري الشمالي

إلا ان بيونغ يانغ وجدت من يتفاوض معها سواء في شكل ثنائي (مع واشنطن)، أو عبر مجموعة الست الآسيوية – الدولية التي تتولى ملاحقة برنامجها النووي، وطرح المبادرات، فيما يغيب أي إطار للتفاوض مع دمشق التي رفضت مجرد البحث بمبادرة الجامعة العربية كإطار إقليمي على رغم انها تتضمن بقاء الرئيس السوري في سدة الرئاسة حتى موعد إجراء انتخابات رئاسية عام 2014، مع وقف العنف ضد المتظاهرين وتسريع الإصلاحات… وهي رفضت كل المبادرات التركية، ما دفع أنقرة الى تصعيد اجراءاتها ولهجتها ضد النظام

تفوق العزلة السورية تلك التي تتعرض لها، أو تعرض نفسها لها، كوريا الشمالية، بعد المقارنة بين الحالتين. أكثر من ذلك، يسهب المعنيون في النظام ومؤيدوه في دمشق في التفاخر بالقدرة على الانعزال والانكفاء الى الداخل عبر تضخيم الأسباب الخارجية التي تمر بها سورية وحديثهم عن المؤامرة وعن مواجهة النظام للمجموعات «الإرهابية» التي يسلحها الخارج. وعلى رغم ان القول ان ما يجري في سورية يحولها الى ساحة للصراع على النفوذ هو واقع موضوعي، فإن النظام يستخدم هذا الجانب من الأزمة من أجل تقزيم الأسباب الموضوعية الداخلية التي تقف وراءها، والتي تفوق بأهميتها أي عامل خارجي. فالعزلة تفيد النظام في نظر القيّمين عليه، في تحقيق الهدف الذي وضعه لنفسه، وهو سحق الانتفاضة بأي ثمن. ولهذا السبب هو يعتبر أن الحل الأمني هو الحل السياسي، والإصلاحات التي يعلن عنها هي لتجميل الحل الأمني حتى لا تكون مقدمة لتغيير في السلطة. ويبدو ان إدراك القيادة الحاكمة لعمق التغيير الذي حصل في المجتمع السوري جاء متأخراً جداً. فالتقارير الواردة من دمشق تفيد بأن تقويم النظام نفسه هو أن من يقومون بحركة الاحتجاج ضده يتوزعون كالآتي: 80 في المئة من الشباب الغاضب والعاطل من العمل والذي يعيش ظروفاً اقتصادية وسياسية شديدة الصعوبة «وهم على حق في مطالبهم»، و10 في المئة من الناصريين والقوميين العرب وبعض الحركات السلفية المدنية، و10 في المئة هم من «الإخوان المسلمين» وتنظيمات إسلامية أخرى. ويضيف بعض أهل النظام على ذلك أن ثمة من استغل ذلك بإدخال السلاح الذي يستعمله بعض هؤلاء… إلا ان المشكلة تكمن في أن النظام يصور المشكلة مع هؤلاء، بغض النظر عن حجمها، ويتجاهل الشرائح الثلاث الأولى عن سابق تصور وتصميم

ولا يخفي ذلك سوى رغبة النظام في عسكرة الانتفاضة. فالعسكرة ميدانه المفضل

الحياة – الجمعة، 07 أكتوبر 2011

http://international.daralhayat.com/internationalarticle/315557