المجلس الوطني نقطة تحوّل حقيقية في الانتفاضة – عبدالوهاب بدرخان

Article  •  Publié sur Souria Houria le 6 octobre 2011

مع نشوء المجلس الوطني السوري، ممثلاً أوسع شريحة ممكنة من مجتمع المعارضة، تبدأ مرحلة جديدة في الانتفاضة. يفترض أن تنتهي مرحلة الدم الرخيص أو المجاني الذي استخدمه النظام لإخافة الشعب وإجباره على معاودة الصمت، لتبدأ الـــمرحلة الأصـــعب بالـــعمل الدؤوب من أجل تفكـــيك النـــظام. ومنــذ الآن سيزداد السباق تسارعاً بين اندفاع النظام الى تفجير حرب أهلية في أي بؤرة، وبين سعي المعارضة الى زعزعته لإسقاطه

ينبغي القول إن مهمة الطرفين لم تكن ولن تكون يسيرة. فليس مؤكداً أن حرباً أهلية يمكن أن تنقذ النظام وتعيده الى نزقه المعهود داخلياً وإقليمياً، وعلى رغم أن عناصر حرب كهذه ليست متوافرة موضوعياً حتى في مناطق الاختلاط الطائفي والمذهبي، إلا أن النظام ورواياته الرسمية لن يعدما إمكان إشعالها صورياً وإعلامياً فقط لتبرير ردود فعله المفرطة بالدموية. فالحرب الأهلية اللبنانية وفّرت له حقل تجارب للتحريض ولافتعال جبهات قتال بواسطة عناصر «غير منضبطة» أو «مندسّة» تنفذ ما تؤمر به. غير أن الحال تختلف في سورية، فالنظام طرف وليس «وسيطاً» بين متقاتلين، وهو يتطلع الى خوض مواجهة من طرف واحد آملاً في إكساب القتل اليومي الراهن «مشروعية» الذهاب الى مجازر فعلية. أما زعزعة النظام وإسقاطه فسيضعان المعارضة المنتظمة في المجلس الوطني أمام تحدي الحفاظ على «سلمية» الانتفاضة من جهة، وحضّ المجتمع الدولي على تأمين حماية مجدية وفاعلة للمدنيين من دون الاضطرار الى طلب «تدخل دولي» يمكن أن يوظفه النظام لمصلحته في الداخل أو حتى على المستوى الاقليمي

في أي حال، ولد المجلس الوطني السوري في الوقت المناسب على رغم تأخره، اذ إن استراتيجية المعارضة السلمية بدأت تتآكل وتتراجع تحت وطأة الضراوة الفائقة التي باتت الأجهزة والميليشيات الأمنية تبديها في استهداف العائلات وانتهاك الحرمات. وفي معزل عن المواجهات بين قوى النظام والعسكريين المنشقّين، تكاثرت الحوادث التي تحصل في اطار الدفاع عن النفس وهو ما جعل بعض المراقبين يرصد احتمال «عسكرة الانتفاضة». اذاً، كان لا بد من أن يوجد أي اطار لـ «معارضة موحدة» تستطيع أن تترجم الدم والتضحيات بمبادرة سياسية وعمل منسّق لوضع الانتفاضة على مستوى هدفها المعلن: إسقاط النظام

لم يكن سهلاً جمع أطراف هذه المعارضة، من قوميين وليبراليين وإسلاميين وعلمانيين ومستقلّين، ومن طوائف ومذاهب وعقائد متنوعة، ومن ثمَّ تأمين أفضل درجة من التمثيل للفئات كافة قبل وضــع خطــة لإطــلاق عمل جماعي جاد. كذلك لم يكن سهلاً ايجاد المعادلة المتوازنة بين معارضي الداخل والخارج، فالأصل هو الداخل، لكن وجود قيادة المعارضة على أرض ملتهبة وغير آمنة – أو قل «غير محرّرة» – سيكون مجازفة بتعريضها لإبادة فعلية. وعلى رغم الصمود والثبات الأسطوريين اللذين أظهرهما الداخل، إلا أن الحاجة الى الخارج برزت أخيراً من خلال مطالبات تراوحت بين مراقبين دوليين و«حماية المدنيين» و… «التدخل العسكري الخارجي»

كل ذلك يتطلب الكثير من العمل في الخارج ولا يتأمن بمجرد استغاثات من الداخل، وإذ بيّن المجلس الوطني أنه يعي جيداً حساسية مسألة التدخل الخارجي، فإنه سارع الى صوغ رؤيته رابطاً أي تدخل بموافقته وبعدم مسّ السيادة أو الوحدة الوطنية. طبعاً هذه محاولة باكرة للاستفادة من الدرس الليبي، لكن الأهم منها أن يكون النظام نفسه على الموجة نفسها بالنسبة الى السيادة والوحدة الوطنية. ولا أحد يجادل في أفضلية استبعاد أي تدخل، لكن ما العمل متى مسّت الحاجـــة اليه. السؤال والإشكــالية مــاثــلان، وبكــلفة بشرية عالية

في حال ليبيا، كان البديل الوحيد ترك معمر القذافي حرّ التصرف لجعل بنغازي وبضع مدن اخرى مع أهلها أثراً بعد عين. أما البديل في حال سورية فكان اتاحة الفرصة للنظام كي يطرح اصلاحات ويقود تنفيذها، فإذا به يستغلّها لإنجاز المذبحة الكبرى، لكن على دفعات. ليس لديه ما يردعه وليس لدى معارضيه ما يردعهم، لذلك فإنه هو – وليس الشعب – المبادر الى استدعاء التدخل الخارجي. لا شك في أن تفعيل قانون العدالة الدولية، المتجاوز سيادة الدول، يمكن أن يشكل مدخلاً للنفاذ ولو انسانياً الى المأساة السورية، وللأسف فإن الذين قوننوا هذا المفهوم المتقدم هم الذين وضعوا أيضاً قواعد تقيّد تنفيذه. فعلى سبيل المثال صعبت الاستفادة منه في مآسي رواندا أو دارفور أو البوسنة، وعزّت على الشعب الفلسطيني في محنته الطويلة، وها هم ضحايا سورية واليمن يتحدّون استحقاقاته ويدعون المجتمع الدولي الى تحمّل مسؤولياته

يواجه المجلس الوطني السوري تحدّيات عدّة. لعل ولادته تشجع الانتفاضة على التمسك بسلميّتها طالما أنها ستعتمد عليه منذ الآن لتثمير تضحياتها، فهناك الكثير مما يمكن عمله في الاطار السلمي ولم يجرّب بعد، ومن ذلك مثلاً الدعوة الى العصيان المدني. فمن شأن المجلس أن يقود الحراك الشعبي بأفكار وابتكارات جديدة، لكن سيكون عليه ايجاد الصيغة للتوفيق بين الطابع السلمي والواقع الذي بات يفرضه انشقاق ألوف العسكريين. وإذا اتضح توجّه النظام أكثر فأكثر الى فرض منطق الحرب الأهلية، فإن الحفاظ على وحدة الجيش سيزداد صعوبة، وبالتالي فإن المجلس لن يستطيع تجاهل ضرورة استيعاب المنشقّين وتنظيمهم وضم ممثلين عنهم، مع ما يعنيه ذلك من تسليح وتجهيز

قبل ثلاثة شهور على الأقل، تحديداً منذ بدأت ارهاصات تشكيل مجلس وطني للمعارضة، كان الاقتناع تبلور لدى حكومات مجاورة وبعيدة بأن سورية النظام لا تملك ارادة حقيقية لإنهاء أزمتها الداخلية بـ «حل سياسي»، بل تراهن على القمع والبطش، وعلى الوقت. ما يشغل تلك الحكومات حالياً هو كيفية التعامل مع الوضع السوري عندما يدخل مرحلته الأشد خطورة، اذ إن مبادئ عدم التدخل وأعرافه ستسقط تلقائياً لتطرح ضرورات مساعدة الشعب بكل الأساليب والإمكانات. لذلك يمكن توقع أن يسهّل المجلس الوطني هذه المهمة، اذ يصبح العنوان الذي يمكن التوجه اليه، لكنه مع تلقيه الترحيب والقبول سيخضع لمراقبة شديدة للتأكد من التناغم والتنسيق بين أطرافه، ومن نجاحه في ادارة فعاليات الانتفاضة واستثمار شرعيته المستمدة من الداخل ورفدها بنشاطه الخارجي. فهذه الشرعية ستشجع معظم العواصم على التعاون معه تمهيداً للاعتراف به وإكسابه شرعية دولية

وبدءاً من اللحظة التي صار فيها المجلس الوطني أمراً واقعاً في الأزمة قد تصبح دمشق أكثر تأزماً وحرصاً في آن في التعامل مع الديبلوماسيين المعتمدين لديها. اذ إن الاعتراف بالمجلس قد يستفزّها الى حد طرد أي سفير، وهو ما لم تقدم عليه على رغم اعتراضها مثلاً على تحركات السفيرين الاميركي والفرنسي، فأي قرار بالطرد قد يعمّق عزلتها الراهنة اذا قوبل بحملة نزوح تفرغ معظم السفارات لديها وبحملة موازية لطرد سفرائها في الخارج. وعندئذ لن يفيد استدعاء بعض السياسيين اللبنانيين، كما حصل مع رئيس الحكومة السابق سليم الحص، والتمني عليهم نقل تأكيد الرئيس بشار الأسد بأن «الأحداث الأليمة (الانتفاضة) انتهت»، حتى ولو جاء هذا التصريح عشية الحرب لاستعادة السيطرة على الرستن، احدى أبرز المدن التي تضخ رجالاً الى الجيش السوري

الحياة – الخميس، 06 أكتوبر 2011

http://international.daralhayat.com/internationalarticle/315113