برادة وجه – محمد أبو رمان

Article  •  Publié sur Souria Houria le 26 août 2012

من المغري جداً لأيّ واحد أن يجلس ينظّر ويتحدث في أجواء حوار هادئة مع ثلة من الأصدقاء عن أخطاء الثورة السورية، وخطورة المتطوعين العرب القادمين إليها، أو دور « المؤامرة الدولية » والأجندات الخارجية، ومن السهل عليه أن يتأسف لأنّها لم تحافظ على سلميتها!
لكن – ونحن نأمل أن يبقى الجزء الأكبر من هذه الثورة شعبياً أبيض- أتمنى على هؤلاء « المفكّرين » أن يخبرونا لو كانوا مكان الشعب السوري، ماذا سيفعلون، وهم يتعرّضون لإحدى المحارق التاريخية الكبرى، والعالم يتفرّج وينافق!
هل يحتاج « فلاسفة » القومية لدينا أن نذكّرهم بأنّ الثورة بدأت واستمرت لأشهر طويلة سلمية بيضاء، عبر الأطفال والنساء، والشباب المتعطّش للحرية، وبالمناسبة أغلبه يساري وشيوعي، ولم يحدث التحول نحو العمل المسلّح إلاّ بعدما انتهكت الأعراض وقتل الأطفال، واعتقل الآلاف، ووقعت مجازر جماعية بشعة!
كنت أتمنى على المتباكين على « الدولة الوطنية » في سورية أن يخبروني لو كان أطفال داعل المرصوصين إلى جانب بعضهم قتلى، وهم في عمر الورود (أول من أمس) أبناءهم، ماذا سيفعلون! أو الفتيات في داريا وحمص بناتهم، ماذا ستكون ردة فعلهم!
من يتحدث باسم فلسطين والممانعة دفاعاً عن نظام دموي بشع، يسيء لفلسطين ولسورية وللقومية، ويلطّخ هذه القيم في أعين الناس، ومن يتحدث عن مصالح الأردن في الوقوف إلى جانب النظام الفاشي، مصاب بحالة من « الشيزوفرينيا »، فهو مفصوم بين ادعاء القومية والإغراق بالروح العنصرية القطرية!
قصة سورية ليست سجالاً داخلياً أردنياً، إنّها مبدأ إنساني وأخلاقي، إما أن نقول بأنّ آلاف السوريين، الذين يقتلون، ومئات الآلاف الذين يهجّرون، ومن سقطوا لأنهم طالبوا بالديمقراطية، هم بشر، يملكون حقوق البشر، وإما أنّهم ليسوا كذلك، بوصفهم عرباً، وعليه فلا يحق لنا بعد ذلك التباكي ضد المؤامرة الدولية والخيانة العالمية للعرب!
من أراد أن ينظر إلى مفهوم الخيانة في أينع صوره، وإلى مفهوم المؤامرة الكونية في أبشع وجوهها، فلينظر إلى خطاب أوباما والغرب تجاه ما يحدث في سورية من مجازر يومية، فهذه هي لحظة استنطاق حقيقة الرؤية الأميركية والغربية لنا، نحن العرب، ووالله لو كان من يقتلهم الجيش السوري كلاباً وحيوانات لوجدنا تعاطفاً دولياً أكبر مما نراه اليوم مع الأطفال في درعا وداعل وداريا وإدلب، وحمص وحلب ودير الزور.
أتحدث، هنا، بصفتي إنساناً عربياً، أرى ما يحدث، فأشعر بالرعب على أبنائي وأسرتي، ثمة تدمير كامل للقيم الإنسانية والأخلاقية، واستهتار لا يصدّق بحياة الناس والأطفال والمدنيين، فما يقوم به النظام السوري مرعب جداً، وما يتفوه به أنصاره مدعاة للرعب أكثر، أن تجد حياة الإنسان رخيصة إلى هذا الحدّ، أن تشاهد يومياً جيشاً « عربياً » يقصف بالطائرات والصواريخ والقنابل الثقيلة أحياءً، فنجد الآباء يبحثون عن أبنائهم بين الركام والحطام، فيخرجونهم جثثاً محترقة ومكسّرة!
يا إلهي، ثم نقرأ أو نسمع بعد ذلك من يدافع عن هذه المجازر، وعن النظام، وينسى ما يحدث ليتحدث عن أخطاء الجيش الحرّ أو مئات من عناصر القاعدة هنا أو هناك، أويقدم تحليلاً بارداً تافهاً للأجندات الدولية، أليست هذه في أقرب عبارة مؤدبة يمكن أن تقال باللهجة المحلية هي « برادة وجه »!
بالتأكيد نضع أيدينا على قلوبنا خوفاً من الموجة الطائفية التي تجتاح المنطقة، وقلقاً على مستقبل سورية وأمنها ووحدتها، ونلعن معكم أميركا وسياساتها، لكن في الوقت نفسه، لو كنتم مكان السوريين، بعد كل هذه المذابح والمعاناة الإنسانية التاريخية، والآلام، والإهانات والمآسي، هل كنتم ستشكرون النظام على مواقفه تجاه إسرائيل!

 

http://www.alghad.com/index.php/afkar_wamawaqef2/article/30448/%D8%B1%D8%A7%D8%AF%D9%87-%D9%88%D8%AC%D9%87%21.html