تكفير حزب الله.. الثورات بين الثيوقراطية والعلمانية -أحمد جميل عزم

Article  •  Publié sur Souria Houria le 12 juin 2013

يجتمع غدا الخميس في القاهرة، ما وصفه يوسف القرضاوي، بأنّه مؤتمر لعلماء المسلمين لإعلان موقف من الأزمة في سورية.
خَذَل حزب الله المشروع النهضوي العربي منذ سنوات، عندما لم يستطع تقديم خطاب وهياكل عمل تتجاوز التركيبة الطائفية المسيطرة في لبنان، وأعلن صراحة الالتزام بمبدأ « ولاية الفقيه » التي تجعل رجل دين في إيران (حصراً) صاحب الأمر والنهي. وأتم الأمر بالالتحاق السافر بالنظام السوري الرافض لأي حقوق شعبية. والآن، يقوم يوسف القرضاوي وآخرون (ممن يُصطلح على تسميتهم بالعلماء)، بتوجيه ضربة لفكرة الثورات والانتفاضات العربية، وحرفها إلى المربع الطائفي بتبني خطاب تكفيري، يخبرنا أنّ المعركة في سوريّة مع « الكفار ».
لم يستطع، أو لم يشأ، حزب الله، فتح باب عضويته لغير الشيعة. وهذا ليس التزاما بقواعد اللعبة الطائفية في لبنان وحسب، بل نتيجة أيضاً للارتباط الفكري والعضوي بطهران. كثيراً ما قيل، وربما يكو1ن هذا صحيحا نسبيّا، أنّ اضطهاد وصعوبة أوضاع الشيعة في لبنان في ظل التركيبة الطائفية، فرضت هذا السلوك. ولكن الحقيقة أيضاً أنّ إنجاز حزب الله المهم والتاريخي بهزيمة إسرائيل وطردها من جنوب لبنان، لم يتبعه تقديم خطاب فوق طائفي خاص بلبنان أو بالوضع الإسلامي والعربي. وأصبح من يعارض حزب الله يُصوّر على أنّه طائفي وإمبريالي، مهما كان منطقه. وقد ساعد في هذا حماس الكثيرين (المبرر) لإنجاز حزب الله ضد الإسرائيليين، فقرروا غفران أي شيء آخر، وقبلوا وروجوا ما يقال عن « عمالة » من لا يتفق مع الحزب. وهناك الآن عدد هائل من الأشرطة المصورة التي تؤكد ما قاله أمين عام الحزب حسن نصرالله، ذاته يوماً، من أنّ لبنان « جزء من الجمهورية الإسلامية الكبرى التي يحكمها صاحب الزمان ونائبه بالحق، الولي الفقيه الإمام الخميني ». وقوله إنّ مرجعية القرار في حزب الله « تتصل عبر مراتب إلى الولي الفقيه القائد المبرئ لذمة الملزم قراره ».
عندما جرى الحشد ضد حزب الله، حتى قبل انفجار الثورة/ الحرب الأهلية/ الفتنة في سورية، فإنّ محاولة التصيّد المذهبي كانت موجودة. أعلن يوسف القرضاوي قبل أيّام أنّ « أغلبية النصيرية » ويقصد العلويين في سورية، مستشهدا بآراء ابن تيمية (القرن السابع الهجري)، هم « أكفر من اليهود والنصارى ». وقال إنّ الشيعة « تريد الغدر بأهل السنّة »، واعتبر حزب الله بأنّه « حزب الشيطان ».
هل حقاً أيّد الشارع العربي حسن نصرالله وحزب الله من أجل الوصول إلى حكم الولي الفقيه الإيراني، ووضع القرار بيده؟ وهل حقاً يمكن العودة لأكثر من سبعة قرون لنتساءل إن كان العلويون من « النصيرية »، والبحث عن الفرق بين « الغالية من النصيرية والإسماعيلية »، ممن قال فيهم ابن تيمية ما قال، و »الشيعة » و »السنة »، ومن أكثر إيماناً وأكثر كفراً؟ فضلا عن الحديث عن المسيحيين بهذه الطريقة؟ ألهذه الأسباب ثار الشعب في تونس التي تعيش الآن مرحلة مواجهة الإخوان المسلمين والسلفيين؟ (ربما لو وجد شيعة في تونس لاتحدا ضدها حتى ينتهي أمرهم ويعودان إلى صراعهما). هل هذه أسباب الثورة المصرية؟
من نتائج الاستقطاب الطائفي أن رأينا يوسف القرضاوي يتقارب مع مشايخ السعودية. وكذلك تضاؤل الهوامش بين السياسات السعودية والقطرية، حتى إنّ قناة « العربية » أجرت مقابلة تلفزيونية مع القرضاوي، كأنّ « الجزيرة » لا تكفيه. ومن إيجابيات هذا الاستقطاب أنّ القرضاوي ذكّر من يتناسون أنّه يخطئ، فقال لـ »العربية » إنّه في موقفه السابق المؤيد لحزب الله: « كنت على خطأ وأصاب علماء السعودية ». فهل هو على خطأ الآن؟
الطائفية والعودة إلى الخندق الطائفي ليست الحل، بل « العلمانية هي الحل »، وحل الدولة لكل مواطنيها على أساس تساوي الفرص والحقوق والواجبات.
أثبتت التجارب مرة بعد أخرى أنّ الفتاوى والمواقف التي يتبناها علماء الدين تتأثر بالسياسة، وتُستخدم لأغراض تتوافق مع الحكومات التي ترعى هؤلاء العلماء. من ينسى عندما انقسم العلماء في حرب الخليج 1990/ 1991 كل بحسب سياسة دولته تقريبا؟
الرد على طائفية النظام السوري ومرجعية حزب الله الثيوقراطية لا يكون بطائفية وثيوقراطية مضادة، بل بالبحث عن الدولة المدنية. والعلمانية ليست ضد الدين، بل ضد توظيفه لصالح الأنظمة السياسية.