ثورة الشعب السوري شيء و »المعارضة » السورية شيء آخر – مانيا الخطيب

Article  •  Publié sur Souria Houria le 1 avril 2012
لعشرات السنين،  تم التركيز على اختراق وتخريب أي مؤسسة من أي نوع في سورية، بدءً بأي لجنة شعبية بسيطة في أي حيّ، على امتداد الأرض السورية، وصولاً إلى حقل الرياضة، الثقافة، التجمعات النسائية، الخيرية، الدينية، العشائرية، الزراعية ..الخ
حتى المدارس، الجامعات، الدوائر الحكومية، المؤسسة القضائية والقانونية (!!) المؤسسة العسكرية (التي يحرّم عليها في كل العالم الانتساب لأي حزب سياسي إلا في سورية السبيّة)
لم تبقِ آلة الفساد والاستبداد ي سورية أي بنية مجتمعية من أي نوع،  إلا وزرعت فيها فيروسات تؤدي إلى تعطيل عملها الطبيعي وتحولها إلى تابعة للحزب الواحد « القائد للدولة والمجتمع » وزرع الجواسيس والمخبرين وكل أنواع التمزيق الذي لا يجعل هذه المؤسسة أو تلك تعمل كما ينبغي لدورها أن يكون. ولا يتسع الحديث هنا لتناول الفكرة الخبيثة « للجبهة الوطنية التقدمية » التي اختزلت كل عمل ذو طابع حزبي تحت عباءة « الحزب الواحد – القائد للدولة والمجتمع »
ورغم هذا المناخ المرضي، لم يتوقف كثير من السوريين،  رغم البطش الرهيب الذي كانوا يُواجَهون به، عن محاولات تحرير بلادهم من هذه القبضة العفنة السميكة … بدءً من احتجاجات نهايات السبعينيات، والتي انتهت بمأساة حماة، وصولاً إلى ربيع دمشق في بدايات الألفين وماتخللها من محاولات لاتيأس لإحياء المجتمع المدني والدفاع عن حقوق لإنسان (التي هو ضرب من المحال في ظل الدكتاتورية) .. وصولاً إلى انتفاضة الكرد .. وقُوبل كل ذلك بالإعتقال في ظروف مأساوية، التعذيب، الإغتيال (بما فيه الإغتيالات الخارجية)، معاقبة عوائل النشطاء طوال حياتهم، منع من السفر، ومن نجح في الفرار من هذا الجحيم، بقي منفياً طوال حياته، حتى أصبحت علاقته حتى بأمه هي علاقة بيولوجية فقط لا غير، لأنه قبل ثورة الاتصالات الحالية، كان مجرد وصول قصاصة من الورق، عن طريق البريد العادي هو ترف ما بعده ترف ..!! ولهذا نشأت ظاهرة أن بعضاً من هؤلاء -الذين عانوا الأمرين من الإستبداد- تحولوا إلى صورة مستنسخة عن الديكتاتور وأساليبه،  لشدة ما عانوه من القهر، والتهشيم النفسي، ولهذا نشهد اليوم حالات ممن يلبسون لبوس الثورة ويتصرفون بأساليب تتشابه مع آلة الاستبداد
ولهذا كله فتعبير « معارضة » لا ينطبق على هذا الجو المسموم، لأنه ببساطة علميّة: المعارضة هي الجهة التي خسرت الانتخابات في نظام ديمقراطي شفّاف، ولم تستطع تشكيل الحكومة، والتي ستستمر لبضع سنوات… حتى تأتي انتخابات أخرى… قد تتحول فيها تلك الحكومة إلى معارضة وهكذا دواليك
ما يحدث اليوم في سورية هو ثورة استثنائية في تاريخ البشرية، يقف فيها الشعب السوري الذي كان معظمه بالأمس القريب -قبل آذار 2011 –  يذهب إلى المدارس والجامعات، والوظائف الحكومية والعسكرية .. يصطفّ في الصباح ليهتف باسم القائد الأوحد والحزب الأوحد .. ويشارك تجاره -مكرهين- رامي مخلوف أرزاقهم .. وإلا فإن أجهزة المخابرات العائلية تنقض عليهم وتسوّد عيشتهم … في المناطق الغربية -حيث التواجد الأوقح- لعصابات « العائلة الحاكمة » لم يجرؤ الناس لعقود على مجرد حماية أملاكهم الشخصية في حال تعرضت للسلب المباشر … حيث كان على سبيل المثال يدفش أي أحد منهم باب صاغة برجله – وأمام عيني صاحبها- يأخذ ما يريد ويذهب دون أن يرف له جفن لأن من يحكم سورية هم عصابات خارجة على القانون كهذا المثال .. فليس هناك من أي قانون يُرجَع إليه
ومنذ أن هلّت من حوران البشائر … خُلِقَ إنسان سوري جديد … ودخلنا في زمن جديد … وفي عمر جديد، أرض جديدة سماءٌ جديدةٌ …. طويت صفحة الاستبداد في سورية ومن لحظتها .. من تلك اللحظة النفيسة أَعلنَ الإنسان السوري بصوتٍ مدوٍّ … لفّ الكون أنني أخرج إلى فضاء الحرية الفسيح. تلا هذا الإعلان تشغيل آلة إجرام عصابة الحكم الشبيهة بما وصفه فرانز كافكا في روايته « في مستعمرة العقوبات » .. وحصدت ولا تزال أرواح السوريين الأبرياء .. في مسلسل إجرامي مرعب يجري على مرأى ومسمع العالم .. لتظلّ هذه التجربة السورية الأليمة وصمة خزي وعار على جبين الإنسانية
قال الناشط السوري، الأستاذ جورج صبرا في أحد لقاءاته يصف فيها بشفافية جميلة، حالة اليأس التي كانت تعتري الشعب السوري قبل تلك اللحظة التاريخية، « عندما أحرق البوعزيزي نفسه في تونس كنا يومها نشاهد مسلسلاً درامياً على التلفزيون »
وهكذا فإن هذه الثورة المدهشة شيء .. وما يُسمى -تضليلاً- « معارضة » شيء آخر تماما
أما أن يفوّض الشعب السوري جهة معينة للتحدث باسمه في المحافل الدولية ويسميه « المجلس الوطني السوري » فهذه الجهة ليس اسمها معارضة .. لأنها ببساطة ليس مهمتها أن تزيل هذا الحكم وتستلمه هي، بل ان تمثل مطالب الشعب الثائر … ثم تسلّم زمام الأمور من جديد إلى الشعب المنتصر ومن ضمنها تحضير البلاد إلى انتخابات حرة ونزيهة … تتمخض عن ولادة حكومة تمثل إرادة الشعب … بعدها يحل المجلس الوطني السوري نفسه وتنتهي الحاجة إليه …أما عن ضعف أداءه الحالي وتعثره فلهذا شرح لا يتسع هذا المقال له. وحاله هذا لا ينفي أن وجوده ككيان وطني له أهمية قصوى في هذه الفترة
التشكيلات بكل أنواعها، التي ولدت منذ بدء الثورة إلى اليوم تحمل معنيين أساسيين
– توق الإنسان السوري لإعادة اكتشاف كيانه الحر، وتأثير سحر هذه الثورة البديعة
– تشكل ملامح سورية المستقبل، أنها ستحفل بالأفكار المختلفة، والآراء العديدة وهو بالضبط ما سيدخل الأكسجين إلى الحياة العامة التي ظلت طوال هذه العقود مخنوقة
وأما عن التعبير الأشد تضليلاً « وحدة المعارضة السورية » فإنني سأستعير جملة من مقابلة مع المفكّر السوري جاد الكريم الجباعي لأَوضّح فيها خصوصيّة هذه الثورة الاستثنائية التي تنأى بنبلها عن كل هذه الأقاويل
« لم أشعر مرة بارتياح إزاء « تشتت المعارضة » التقليدية مثلما أشعر اليوم، فإن تشتتها وضعفها يبعثان على التفاؤل بأن أياً منها لن يتمكن من سرقة الثورة أو اختطافها »
مانيا الخطيب
هلسنكي
31.3.2012